كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

67 7 {
{الأخلاء} المتحابُّون في الدُّنيا على الإطلاقِ أو في الأمورِ الدُّنيويةِ {يَوْمَئِذٍ} يومَ إذْ تأتيهُم الساعةُ {بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} لانقطاعِ ما بينهم عن علائق الخلة والتحاب لهور كونِها أسباباً للعذابِ {إِلاَّ المتقين} فإنَّ خُلَّتَهم في الدُّنيا لمَّا كانتْ في الله تبقَى على حالِها بل تزدادُ بمشاهدةِ كلَ منهُم آثارَ خُلَّتِهم من الثوابِ ورفعِ الدَّرجاتِ والاستثناءُ على الأولِ متصلٌ وعلى الثاني منقطع
{يا عبادِ لا خوفٌ عليكم اليوم ولا أنتم تَحْزَنُونَ} حكايةٌ لما يُنادَى به المتقون المتاحبون في الله يومئذٍ تشريفاً لهم وتطيبا لقلوبهم
{الذين آمنوا بآياتنا} صفةٌ للمُنادَى أو نُصب على المدحِ {وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ} أي مُخلصينَ وجوهَهُم لنَا جاعلينَ أنفسَهُم سالمةً لطاعتِنا وهو حالٌ من واوِ آمنُوا عن مقاتلٍ إذَا بعثَ الله النَّاسَ فزعَ كلُّ أحدٍ فُينادِي منادٍ يا عبداى فيرفع الخلائق رؤسهم على الرجاءِ ثم يتبعُها الذينَ آمنُوا الآيةَ فينكِّسُ أهل الأديان الباطلة رؤسهم
{ادخلوا الجنة أَنتُمْ وأزواجكم} نسؤكم المؤمناتُ {تُحْبَرُونَ} تُسرُّون سروراً يظهرُ حَبارُه أي أثرُه على وجوهِكم أو تُزينونَ من الحَبَرةِ وهو حُسن الهيئةِ أو تُكرمونَ إكراماً بليغاً والحَبْرةُ المبالغةُ فيما وصفَ بجميلٍ
{يُطَافُ عَلَيْهِمْ} بعدَ دخولِهم الجنَّةَ حسبَما أُمرِوا بهِ {بصحاف مّن ذَهَبٍ وأكواب} كذلك والصِّحافُ جمعُ صَحْفةٍ قيلَ هيَ كالقصعَةِ وقيلَ أعظمُ القِصَاعِ الجفنةُ ثم القصعة ثم المكيلةُ والأكوابُ جمعُ كوبٍ وهو كوزٌ لا عُروةَ لَهُ {وَفِيهَا} أي في الجَّنةِ {مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس} من فُنونِ الملاذِّ وقُرِىءَ ما تَشْتَهي {وَتَلَذُّ الأعين} أي تستلذُّه وتقرُّ بمشاهدتِه وقُرِىءَ وتلذُّهُ {وَأَنتُمْ فِيهَا خالدون} إتمامٌ للنعمةِ وإكمالٌ للسرورِ فإنَّ كلَّ نعيمٍ له زوالٌ بالآخرةِ مقارن لخوفِه لا محالةَ والالتفاتُ للتشريفِ
{وَتِلْكَ الجنة} مبتدأٌ وخبرٌ {التى أُورِثْتُمُوهَا} وقُرِىءَ وُرِّثتمُوهَا {بما كنتم تعلمون} في الدنيا من الأعمال الصالحةِ شبَّه جزاءَ العملِ بالميراثِ لأنَّه يخلُفه العامل عليه وقيلَ تلكَ الجنةُ مبتدأٌ وصفةٌ والموصولُ مع صلتِه خبرُه وقيلَ هو صفةُ الجنةُ كالوجهِ الأولِ والخبر بما كنتم تعلمون فتتعلقُ الباءُ بمحذوفٍ لا بأورثتموها كما ففبي الأولَينِ
{لَكُمْ فِيهَا فاكهة كَثِيرَةٌ} بحسبِ الأنواعِ والأصنافِ

الصفحة 54