كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

79 74
لا بحسب الأفردا فقطْ {مّنْهَا تَأْكُلُونَ} أي بعضَها تأكلونَ في كلِّ نوبةٍ وأمَّا الباقِي فَعَلى الأشجارِ على الدوامِ لا ترى فيها شجرةً خلتْ عن ثمرِهَا لحظةً فهي مزينةٌ بالثمارِ أبداً مُوقَرةٌ بها وعن النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم لا ينزع رجل في الحنة من ثمرِها إلا نبتَ مثلاَها مكانَها
{إن المجرمين} أى الرسخون في الإجرامِ وهم الكفارُ حسبما بنيىء عنْهُ إيرادُهم في مقابلةِ المؤمنينَ بالآياتِ {فِى عَذَابِ جَهَنَّمَ خالدون} خبرُ إنَّ أو خالدونَ هُو الخبرُ وفي متعلقةٌ بهِ
{لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ} أي لا يخففُ العذابُ عنُهم من قولِهم فَتَرتْ عنْهُ الحُمَّى إذا سكنِتْ قليلاً والتركيبُ للضعفِ {وَهُمْ فِيهِ} أي في العذابِ وقُرِىءَ فيَها أي في النَّارِ {مُّبْلِسُونَ} آيسونَ منَ النَّجاةِ
{وَمَا ظلمناهم} بذلكَ {ولكن كَانُواْ هُمُ الظالمين} لتعريضِهم أنفسَهُم للعذابِ الخالدِ
{وَنَادَوْاْ} خازنَ النَّارِ {يا مالك} وقُرِىءَ يا مَالِ على التَّرخيمِ بالضمِّ والكسرِ ولعلَّه رمزٌ إلى ضعفِهم وعجزِهِم عن تأديةِ اللفظِ بتمامِه {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} أي لِيُمتنا حتَّى نستريحَ من قضَى عليه إذا أماتَهُ والمعنى سَلْ ربَّك أنْ يقضي علينا وهَذا لا يُنافِي ما ذُكرَ من إبلاسِهم لأنَّه جؤارٌ وتمنَ للموتِ لفرطِ الشدَّةِ {قَالَ إِنَّكُمْ ماكثون} أيْ فِي العذابِ أبداً لا خلاصَ لكُم منْهُ بموتٍ ولا بغيرِه عن ابنِ عباس رضي الله عنهُمَا أنَّه لا يُجيبُهم إلا بعدَ ألفِ سنةٍ وقيلَ بعد مائةٍ وقيلَ بعدَ أربعينَ سنةً
{لَقَدْ جئناكم بالحق} في الدنيا بإرسال الرسل واتزال الكتبِ وهو خِطَابُ توبيخٍ وتقريعٍ من جهةِ الله تعالَى مقررٌ لجوابِ مالكٍ ومبينٌ لسببِ مكثِهم وقيلَ في قالَ ضميرُ الله تعالَى {ولكن أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقّ} أي حقَ كانَ {كارهون} لا يقبلونَهُ وينفرونَ عنْهُ أما الحقُّ المعهودُ الذي هو التوحيدُ أو القرآنُ فكلُّهم كارهونَ له مشمئزّونَ منْهُ
{أَمْ أَبْرَمُواْ أَمْراً} كلامٌ مبتدأٌ ناعٍ على المشركينَ ما فعلوا من الكد برسولِ الله صلَّى الله عليه وسلم وأم منطقة وما فيها من معنى بلْ للانتقالِ من توبيخِ أهلِ النَّارِ إلى حكايةِ جنايةِ هؤلاءِ والهمزةُ للإنكارِ فإنْ أُريدَ بالإبرامِ الإحكامُ حقيقةً فهيَ لإنكارِ الوقوعِ واستبعادِه وإنْ أُريدَ الإحكامُ صورةً فهيَ لإنكارِ الواقعِ واستقباحِه أيْ أأبرمَ مشركُو مكَة أمراً من كيدِهم ومكرهم برسولِ الله صلَّى الله عليه وسلم {فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} كيدنَا حقيقةً لاهم أو فإنَّا مبرمونَ كيدنَا بهم حقيقة كام ابرموا أكيدهم صورةً كقولِه تعالى أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فالذين كَفَرُواْ هُمُ المكيدون وكانُوا يتناجَون في أنديتِهم ويتشاورُون في أمورِه

الصفحة 55