كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

23 - 24 25 الجاثية محذوفةٍ مثلُ ليدلَّ بَها على قدرتِه أو ليعدل ولتُجزى
{وَهُمْ} أي النفوسُ المدلولُ عليها بكلِّ نفسٍ
{لاَ يُظْلَمُونَ} بنقصِ ثوابٍ أو بزيادةِ عقابٍ وتسميةُ ذلكَ ظُلماً معَ أنَّه ليسَ كذلكَ على ما عرف قاعدةِ أهلِ السُنَّةِ لبيانِ غايةِ تنزهِ ساحةِ لُطفهِ تعالى عما ذكر بتنزيله منزلةَ الظلمِ الذي يستحيلُ صدورُه عنْهُ تعالَى
{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ} تعجب من حالِ مَنْ تركَ متابعةَ الهُدى إلى مُطاوعةِ الهَوَى فكأنَّه عبدُه أيْ أنظرتَ فرأيتَهُ فإنَّ ذلكَ مِمَّا يُقْضَى منه العجَبَ وقرئ آلهةً هواهُ لأنَّ أحدَهُم كانَ يستحسنُ حجراً فيعبدُه فإذا رَأى أحسنَ منه رفضَهُ إليهِ فكأنَّه اتخذَ آلهةً شتَّى
{وَأَضَلَّهُ الله} وخذلَه
{على عِلْمٍ} أي عالماً بضلالِه وتبديلِه لفطرةِ الله تعالى التي فَطَرَ النَّاسَ عليها
{وَخَتَمَ على سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ} بحيثُ لا يتأثرُ بالمواعظِ ولا يتفكرُ في الآياتِ والنذرِ
{وَجَعَلَ على بَصَرِهِ غشاوة} مانعةً عن الاستبصار والاعتبار وقرئ بفتح الغين وضمها وقرئ غشوةً
{فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ الله} أي من بعدِ إضلالِه تعالى إيَّاهُ بموجبِ تعاميهِ عنِ الهُدى وتماديهِ في الغيِّ
{أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} أي أَلاَ تلاحظونَ فلا تذكرون وقرئ تتذكرونَ على الأصلِ
{وَقَالُواْ} بيانٌ لأحكامِ ضلالِهم المحكيِّ أي قالُوا من غايةِ غيِّهم وضلالِهم
{مَا هِىَ} أيْ ما الحَيَاةُ
{إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا} التي نحنُ فيَها {نَمُوتُ وَنَحْيَا} أي يصيبنا الموتُ والحياةُ فيها وليسَ وراءَ ذلكَ حياةٌ وقيلَ نكونُ نطفاً وما قبلَها وما بعدَها ونحيا بعدَ ذلكَ أو نموتُ بأنفسِنا ونحيَا ببقاءِ أولادِنا أو يموتُ بعضُنا ويحيا بعضُنا وقد جُوِّزَ أنْ يريدُوا به التناسخَ فإنَّه عقيدةُ أكثرِ عبدةِ الأوثان وقرئ نَحْيَا
{وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدهر} إلا مرورُ الزمانِ وهُو في الأصلِ مدةُ بقاءِ العالمِ من دَهَرهُ أي غلبه وقرئ إلا دهرٌ يمرُّ وكانُوا يزعمونَ أن المؤثرَ في هلاكِ الأنفسِ هُو مرورُ الأيامِ والليالِي وينكرونَ ملكَ الموتِ وقبضَه للأرواحِ بأمرِ الله تعالى ويضيفونَ الحوادثَ إلى الدهرِ والزمانِ ومنْهُ قوله صلى الله عليه وسلم لا تسبُّوا الدهرَ فإنَّ الله هو الدهرُ أي فإنَّ الله هُو الآتِي بالحوادثِ لا الدهرُ
{وَمَا لَهُم بِذَلِكَ} أي بما ذُكر من اقتصارِ الحياةِ على ما في الدُّنيا واستنادِ الحياةِ والموتِ إلى الدهرِ
{مِنْ عِلْمٍ} مَا مستندٍ إلى عقلٍ أو نقلٍ
{إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} ما هُم إلا قوم صارى أمرِهم الظنُّ والتقليدُ من غيرِ أنْ يكونَ لهم شيءٌ يصحُّ أنْ يتمسكَ به في الجملةِ هذا معتقدُهم الفاسدُ في أنفسِهم
{وإذا تتلى عليهم آياتنا} النَّاطقةُ بالحقِّ الذي من جُمْلَته البعثُ
{بَيّنَاتٍ} واضحاتِ الدِلالة على ما نطقت بهِ أو مبيناتٍ له
{مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ} بالنصبِ

الصفحة 73