كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

فصلت آية (15 16) إرسالَ الرسلِ لا إنزالَ الملائكة قيل فإنه عن إفادة ما أرداوه منْ نفي رسالةِ البشرِ وقد مرَّ فيما سلفَ {لاَنزَلَ ملائكة} أي لأرسلَهُم لكنْ لما كانَ إرسالُهم بطريق الإنزال قبل لأنزلَ {فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ} أي على زعمِكم وفيه ضربُ تهكّمٍ بهم {كافرون} للما أنَّكم بَشَرٌ مّثْلُنَا من غيرِ فضلٍ لكُم علينا رُوِيَ أنَّ أَبا جهلٍ قالَ في ملأٍ من قُريشٍ قد التبسَ علينا أمرُ محمدٍ فلو التمستُم لنا رجل عالماً بالشعرِ والكهانةِ والسحرِ فكلَّمه ثم أتانَا ببيانٍ من أمرِه فقالَ عتبةُ بنُ ربيعةَ والله لقد سمعتُ الشعرَ والكهانةَ والسحرَ فكلمه ثم أتانا بيان من أمرِه فقالَ عتبةُ بنُ ربيعةَ والله لقد سمعتُ الشعرَ والكهانةَ والسحرَ علمت من وعلمتُ من ذلكَ علماً وما يَخْفي عليَّ فأَتاهُ فقالَ أنتَ يا محمدُ خيرا أَمْ هاشمٌ أنتَ خيرٌ أمْ عبدُ المطلبِ أنت خيرٌ أم عبدُ اللَّهِ فبم تشتمُ آلهتَنا وتضللنَا فإنْ كنتَ تريدُ الرياسةَ عقدنَا لكَ اللواءَ فكنتَ رئيساً وإن تكُ بكَ الباءةُ زوجناكَ عشرَ نسوةٍ تختارهُنَّ أيَّ بناتِ قريشٍ شئتَ وإنا كانَ بكَ المالُ جمعنَا لكَ ما تستغِني ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم ساكتٌ فلما فرغَ عتبةُ قال صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم {حم} الى قوله تعلى مثل صاعغقة عَادٍ وَثَمُودَ فأمسكَ عتبةُ على فيه صلى الله عليه وسلم وناشدَهُ بالرحمَ ورجعَ إلى أهلِه ولم يخرجْ إلى قريشٍ فلما احتبسَ عنْهُم قالوا ما نرى عبتة إلا قدْ صبأَ فانطلقُوا إليه وقالوا يا عبت ما حبسك عَنَّا إلا أنكَ قد صبأتَ فغضبَ ثم قال والله لقد كلَّمتُه فأجابني بشيءٍ والله ما هو بشعرٍ ولا كهانةٍ ولا سحرٍ ولما بلغَ صاعقةَ عادٍ وثمودَ أمسكتُ بفيِه وناشدتُه بالرحم أنْ يكفَّ وقد علمتُم أن محمداً إذا قالَ شيئاً لم يكذبْ فخفتُ أن ينزلَ بكُم العذابُ
{فَأَمَّا عَادٌ فاستكبروا فِى الأرض} شروعٌ في حكايةِ ما يخص بكلا واحدةٍ من الطائفتينِ من الجنايةِ والعذابِ إثرَ حكايةِ ما يعمُّ الكلَّ من الكفرِ المطلقِ أي فتعظمُوا فيَها على أهلِها أو استعلَوا فيَها واستولَوا على أهلِها {بِغَيْرِ الحق} أي بغير استحقاق للتعظم والولايةِ {وَقَالُواْ} مدلين بشدَّتِهم وقوَّتِهم {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} حيثُ كانُوا ذوي أجسامٍ طوالٍ وخَلْقٍ عظيمٍ وقد بلغَ من قوتهم أنَّ الرجلَ كان ينزعُ الصخرة من جبل فيقتلعها بيده {أولم يَرَوْاْ} أي أغفَلُوا أو ألم ينظروا ولم يعلموا علماً جلياً شبيهاً بالمشاهدةِ والعيانِ {أَنَّ الله الذى خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} أي قدرةً فإنه تعالَى قادرٌ بالذاتِ مقتدرً على مالا يتناهى قوى على مالا يقدر عليه غير مفيضٌ للقُوى والقُدرِ على كُلِّ قوي وقادرِ وإنما أُورد في حيز الصلةِ خلقَهم دونَ خلقِ السمواتِ والأرضِ لادِّعائِهم الشدةَ في القوةِ وفيه ضربٌ من التهكم بهم {وكانوا بآياتنا} المنزلةِ على الرُّسلِ {يَجْحَدُونَ} أي ينكرونَها وهم يعرفونَ حقيقتَها وهو عطفٌ على فاستكبرُوا كقولِه تعالَى وقالُوا وما بينَهمَا اعتراضٌ للردِّ على كلمتِهم الشنعاءِ
{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً} أي باردةً تهلكُ وتحرقُ بشدة

الصفحة 8