كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

أى الهوان وقد قرئ كذلكَ {بِمَا كُنتُمْ} في الدُّنيا {تَسْتَكْبِرُونَ فِى الأرض بِغَيْرِ الحق} بغيرِ استحقاقٍ لذلكَ {وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ} أي تخرجونَ عن طاعةِ الله عزَّ وجلَّ أي بسببِ استكبارِكم وفسقِكم المستمرين وقرئ تَفْسِقونَ بكسرِ السِّينِ
{واذكر} أيْ لكُفَّارِ مكةَ {أَخَا عَادٍ} أيْ هوداً عليهِ السلامُ {إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ} بدلُ اشتمالٍ منْهُ أي وقتَ إنذارِه إِيَّاهُم {بالاحقاف} جمعُ حِقْفٍ وهُو مل مستطيلٌ مرتفعٌ فيهِ انحناءٌ من احقوقف الشئ إذا اعوجَّ وكانتْ عادٌ أصحابَ عَمدٍ يسكنونَ بين رمالٍ مشرفةٍ على البحرِ بأرض يقال لها الشجر من بلادِ اليمنِ وقيلَ بينَ عُمَانَ ومَهَرَةَ {وَقَدْ خَلَتِ النذر} أي الرُّسلُ جمعُ نذيرٍ بمعنى المنذرِ {مِن بَيْنَ يَدَيْهِ} أي من قبلهِ {وَمِنْ خَلْفِهِ} أي منْ بعدهِ والجملةُ اعتراضٌ مقرِّرٌ لما قبله مؤكدٌ لوجوبِ العملِ بموجبِ الإنذارِ وُسِّط بينَ أنذرَ قومَهُ وبينَ قولِه {أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ الله} مسارعةً إلى ما ذُكِرَ من التقريرِ والتأكيدِ وإيذاناً باشتراكِهم في العبارةِ المحكيةِ والمَعْنى واذكُرْ لقومِكَ إنذارَ هودٍ قومَهُ عاقبةَ الشركِ والعذاب العظيم وقد أنذر مَنْ تقدمَهُ من الرسلِ ومن تأخرَ عنْهُ قومَهُم مثلَ ذلكَ فاذكُرهم وأَما جعلُها حالاً من فاعلِ أنذرَ على مَعْنى أنَّه عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ أنذرَهُم وقالَ لَهُم لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ الله {إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} وقد أعلمهم أنَّ الرسلَ الذين بُعثوا قبلَه والذينَ سيُبعثونَ بعدَهُ كلَّهم منذرونَ نحوَ إنذارِه فمعَ ما فيهِ من تكلفِ تقديرِ الإعلامِ لا بُدَّ في نسبةِ الخلوِّ إلى مَن بعدَهُ من الرسلِ من تنزيلِ الآتِي منزلةَ الخالِي
{قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا} أيْ تصرفنا {عن آلهتنا} عبادتهم {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} منَ العذابِ العظيمِ {إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} في وعدِك بنزولهِ بنَا
{قَالَ إِنَّمَا العلم} أي بوقتِ نزولِه أو العلمُ بجميعِ الأشياءِ التي مِنْ جُمْلتِها ذلكَ {عَندَ الله} وحدَهُ لا علمَ لي بوقتِ نزولِه ولا مدخلَ لي في إتيانِه وحلولِه وإنَّما علمُه عندَ الله تعالَى فيأتيكُم بهِ في وقتهِ المقدَّرِ لهُ {وَأُبَلّغُكُمْ مَّا أُرسلتَ بِهِ} من مواجبِ الرسالةِ التي من جُملتِها بيانُ نزولِ العذابِ إنْ لم تنتُهوا عن الشركِ من غيرِ وقوفٍ على وقت نزوله وقرئ أُبْلِغُكُم من الإبلاغِ {ولكنى أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} حيثُ تقترحُون عليَّ ما ليسَ من وظائفِ الرسلِ من الإتيانِ بالعذابِ وتعيينِ وقتهِ والفاء في قوله تعالى
{فلما رأوه} فصيحة

الصفحة 85