كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

} 1 3 {
{يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به} أراردوا به ما سمعُوه من الكتابِ وصفُوه بالدَّعوةِ إلى الله تعالى بعدما وصفُوه بالهدايةِ إلى الحقِّ والصراطِ المستقيمِ لتلازمِهما دَعَوهم إلى ذلكَ بعدَ بيانِ حقِّيتِه واستقامتِه ترغيباً لهم في الإجابةِ ثم أكَّدُوه بقولِهم {يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذنوبكم} أي بعض ذنوبكم وهو ما كانَ في خالصِ حقِّ الله تعالى فإنَّ حقوقَ العبادِ لا تُغفرُ بالإيمانِ {وَيُجِرْكُمْ مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} معدَ للكفرةِ واختُلفَ في أنَّ لهم أجرا غير هذا أولا والأظهرُ أنَّهم في حُكمِ بن آدمَ ثواباً وعقاباً وقولُه تعالى
{وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِىَ الله فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِى الأرض} إيجابٌ للإجابةِ بطريقِ الترهيبِ إثرَ إيجابِها بطريقِ الترغيبِ وتحقيقٌ لكونهم منذرينَ وإظهار دعى الله من غيرِ اكتفاءٍ بأحدِ الضميرينِ للمبالغةِ في الإيجابِ بزيادةِ التقريرِ وتربيةِ المهابةِ وإدخالِ الرَّوعةِ وتقييدُ الإعجازِ بكونِه في الأرضِ لتوسيعِ الدائرةِ أي فليسَ بمعجزٍ له تعالى بالهربِ وإن هربَ كلَّ مهربٍ من أقطارِها أو دخلَ في أعماقِها وقولُه تعالى {وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء} بيانٌ لاستحالةِ نجاتِه بواسطةِ الغيرِ إثرَ بيانِ استحالةِ نجاتِه بنفسهِ وجمعُ الأولياءِ باعتبارِ مَعْنى مَنْ فيكون من بابا مقابلةِ الجمع بالجمعِ لانقسامِ الآحادِ إلى الآحادِ كما منا أن الجمع في ق تعالى {أولئك} بذلكَ الاعتبارِ أى أولئك الموصوفون بعدم إجابةِ داعِي الله {فِى ضلال مُّبِينٍ} أي ظاهرٌ كونُه ضلالاً بحيثُ لا يخفى على أحد أعرضُوا عن إجابةِ مَنْ هَذا شأنُه
{أَوَلَمْ يَرَوْاْ} الهمزةُ للإنكارِ والواوُ للعطفِ على مقدرٍ يستدعيهِ المقامُ والرؤيةُ قلبيةٌ أيْ ألم يتفكَّروا ولم يعلمُوا علماً جازماً مُتاخِماً للمشاهدةِ والعيانِ {أَنَّ الله الذى خلق السماوات والأرض} ابتداءً من غيرِ مثال بجتذيه ولا قانون بنتحيه {وَلَمْ يَعْىَ بِخَلْقِهِنَّ} أي لم يتعبْ ولم ينصَبْ بذلك أصلاً أو لم يعجزْ عنهُ يقالُ عييتُ بالأمرِ إذا لم يُعرفْ وجَههُ وقولُه تعالى {بِقَادِرٍ} في حيزِ الرفعِ لأنَّه خبرُ أنَّ كما ينبىءُ عنْهُ القراءةُ بغيرِ باءٍ ووجُه دخولِها في القراءةِ الأُولى اشتمالُ النفيِّ الواردِ في صدرِ الآيةِ على أنَّ وَمَا في حيزِها كأنَّه قيلَ أو ليسَ الله بقادجر {على أَن يُحْيِىَ الموتى} ولذلكَ أجيبَ عنه بقولِه تعالى {بلى أَنَّهُ على كُلّ شَىْء قَدِيرٌ} تقريراً للقدرةِ على وجهٍ عامَ يكونُ كالبرهانِ على المقصودِ

الصفحة 89