كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 8)

قال صاحب الصحاح: يقال: «بان الشيء يبين بيانا، أى اتضح، فهو بين وكذا أبان الشيء فهو مبين ... » .
والمعنى: تلك- أيها الناس- آيات بينات من الكتاب الكامل في جنسه، ومن القرآن العظيم الشأن، الواضح في حكمه وأحكامه، المبين في هدايته وإعجازه فأقبلوا عليها بالحفظ لها، وبالعمل بتوجيهاتها، لتنالوا السعادة في دنياكم وآخرتكم.
قال الآلوسى: وفي جمع وصفي الكتابية والقرآنية من تفخيم شأن القرآن ما فيه، حيث أشير بالأول إلى اشتماله على صفات كمال جنس الكتب الإلهية فكأنه كلها، وبالثاني إلى كونه ممتازا عن غيره، نسيجا وحده، بديعا في بابه، خارجا عن دائرة البيان، قرآنا غير ذي عوج..» «1» .
ثم بين- سبحانه- أن الكافرين سيندمون بسبب كفرهم في وقت لا ينفع فيه الندم، فقال- تعالى-: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ.
قال الشوكانى ما ملخصه: قرأ نافع وعاصم بتخفيف الباء من رُبَما، وقرأ الباقون بتشديدها.. وأصلها أن تستعمل في القليل وقد تستعمل في الكثير.
قال الكوفيون: أى يود الكفار في أوقات كثيرة لو كانوا مسلمين.
وقيل: هي هنا للتقليل، لأنهم ودوا ذلك في بعض المواضع لا في كلها لشغلهم بالعذاب....» «2» .
وقد حاول بعض المفسرين الجمع بين القولين فقال: من قال بأن رُبَما هنا للتكثير نظر إلى كثرة تمنيهم أن لو كانوا مؤمنين، ومن قال بأنها للتقليل نظر إلى قلة زمان إفاقتهم من العذاب بالنسبة إلى زمان دهشتهم منه، وهذا لا ينافي أن التمني يقع كثيرا منهم في زمن إفاقتهم القليل، فلا تخالف بين القولين «3» .
والمعنى: ود الذين كفروا عند ما تنكشف لهم الحقائق. فيعرفون أنهم على الباطل، وأن المؤمنين على الحق، أن لو كانوا مسلمين، حتى ينجوا من الخزي والعقاب.
__________
(1) تفسير الآلوسى ج 14 ص 3.
(2) تفسير فتح القدير ج 3 ص 121.
(3) حاشية الجمل على الجلالين بتصرف قليل ج 2 ص 537.

الصفحة 11