كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 8)

بسرعة وانقياد، حال كونكم حامدين الله- تعالى- على كمال قدرته، وناسين ما كنتم تزعمون في الدنيا من أنه لا بعث ولا حساب.
قال صاحب الكشاف: وقوله بِحَمْدِهِ حال منهم. أى: حامدين، وهي مبالغة في انقيادهم للبعث، كقولك لمن تأمره بركوب ما يشق عليه فيتأبى ويتمنع، ستركبه وأنت حامد شاكر، يعنى: أنك تحمل عليه وتقسر قسرا. حتى أنك تلين لين المسمح- أى الذليل- الراغب فيه، الحامد عليه.
وعن سعيد بن جبير: ينفضون التراب عن رءوسهم ويقولون: سبحانك اللهم وبحمدك «1» .
وقوله: فَتَسْتَجِيبُونَ بمعنى تجيبون، إلا أن الاستجابة تقتضي طلب الموافقة، فهي أوكد من الإجابة، وأسرع في التلبية.
وجملة «وتظنون إن لبثتم إلا قليلا» حالية، أى: والحال أنك تظنون عند بعثكم أنكم ما لبثتم في الدنيا أو في قبوركم إلا زمنا قليلا.
قال قتادة: إن الدنيا تحقرت في أعينهم وقلّت، حين رأوا يوم القيامة، لهول ما يرون فقالوا هذه المقالة.
وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-:.. كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ. قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ «2» .
وقوله- تعالى-: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ. قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا؟ هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ «3» .
وقوله- تعالى-: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها «4» .
ثم ترك القرآن الكريم أولئك الذين كفروا بالبعث والنشور في طغيانهم يعمهون، ووجه خطابه إلى المؤمنين، آمرا إياهم بأن يقولوا الكلمة الطيبة، ومبينا لهم ولغيرهم، أن مصائرهم بيد الله- تعالى- وحده، فقال- تعالى-:
__________
(1) تفسير الكشاف ج 2 ص 672. [.....]
(2) سورة المؤمنون الآية 112، 113.
(3) سورة يس الآيات 51، 52.
(4) سورة النازعات الآية 46.

الصفحة 371