كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 8)

وقوله مَوْفُوراً اسم مفعول، من قولهم وفر الشيء فهو وافر وموفور أى: مكمل متمم. وهو صفة لقوله: جَزاءً.
وهذا الوعيد الذي توعد الله- تعالى- به إبليس وأتباعه، جاء ما يشبههه في آيات كثيرة، منها قوله- سبحانه-: قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ. لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
ثم أضاف- سبحانه- إلى إهانته وتحقيره لإبليس أوامر أخرى، فقال- تعالى-:
وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ، وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ، وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ، وَعِدْهُمْ، وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً.
قال الجمل: أمر الله- تعالى- إبليس بأوامر خمسة، القصد بها: التهديد والاستدراج، لا التكليف، لأنها كلها معاص، والله لا يأمر بها «1» .
وهذه الأوامر الخمسة هي: اذهب، واستفزز ... وأجلب ... وشاركهم ... وعدهم.
وقوله: واستفزز، من الاستفزاز، بمعنى الاستخفاف والإزعاج، يقال: استفز فلان فلانا إذا استخف به، وخدعه، وأوقعه فيما أراده منه. ويقال: فلان استفزه الخوف، إذا أزعجه.
وقوله: وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ أصل الإجلاب: الصياح بصوت مسموع.
يقال: أجلب فلان على فرسه وجلب عليه، إذا صاح به ليستحثه على السرعة في المشي.
قال الآلوسى: قوله وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ أى: صح عليهم من الجلبة وهي الصياح. قاله الفراء وأبو عبيدة. وقال الزجاج: أجلب على العدو: جمع عليه الخيل. وقال ابن السكيت:
جلب عليه: أعان عليه. وقال ابن الأعرابى: أجلب على الرجل، إذا توعده الشر، وجمع عليه الجمع.
والخيل: يطلق على الأفراس حقيقة ولا واحد له من لفظه، وعلى الفرسان مجازا، وهو المراد هنا.
ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته لأصحابه: «يا خيل الله اركبي» .
والرجل- بكسر الجيم- بمعنى راجل- كحذر بمعنى حاذر- هو الذي يمشى رجلا، أى غير راكب ... » «2» .
__________
(1) حاشية الجمل على الجلالين ج 2 ص 634.
(2) تفسير الآلوسى ج 15 ص 111.

الصفحة 389