كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 8)

اللَّيْلَ وَالنَّهارَ. وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها، إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ «1» .
وأنه سجل هذا التكريم في القرآن الكريم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكفاهم بذلك شرفا وفخرا.
وقوله- تعالى- وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بيان لنوع من أنواع هذا التكريم. أى:
وحملناهم بقدرتنا ورعايتنا في البر على الدواب وغير ذلك من وسائل الانتقال كالقطارات والسيارات وغيرها، وحملناهم في البحر على السفن وعابرات البحار التي تنقلهم من مكان إلى آخر.
وقوله: وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ بيان لنوع آخر من أنواع التكريم. أى: ورزقناهم بفضلنا وإحساننا من طيبات المطاعم والمشارب والملابس، التي يستلذونها، ولا يستغنون عنها في حياتهم.
وقوله: وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا بيان لنوع ثالث من أنواع التكريم، أى: وبسبب هذا التكريم فضلناهم على كثير من مخلوقاتنا التي لا تحصى، تفضيلا عظيما.
وعلى هذا التفسير يكون التفضيل لونا من ألوان التكريم الذي منحه الله- تعالى- لبنى آدم.
وبعضهم يرى أن هناك فرقا بين التكريم والتفضيل، ومن هذا البعض الإمام الفخر الرازي، فقد قال- رحمه الله- ما ملخصه: لقد قال الله- تعالى- في أول الآية وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وقال في آخرها وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا. ولا بد من الفرق بين هذا التكريم والتفضيل وإلا لزم التكرار.
والأقرب أن يقال: إنه- تعالى- فضل الإنسان على سائر الحيوانات بأمور خلقية طبيعية ذاتية، مثل: العقل، والنطق، والصورة الحسنة.. ثم إنه- تعالى- عرضه بواسطة ذلك لاكتساب العقائد الحقة، والأخلاق الفاضلة فالأول: هو التكريم، والثاني: هو التفضيل» «2» .
وكأن الفخر الرازي يرى أن التكريم يرجع إلى الصفات الخلقية التي امتاز بها بنو آدم، أما التفضيل فيرجع إلى ما اكتسبوه من عقائد سليمة، وأخلاق قويمة.
__________
(1) سورة إبراهيم الآيات 32، 33، 34.
(2) تفسير الفخر الرازي ج 5 ص 421.

الصفحة 399