كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 8)

الصور، لأنه متى انتفى إتيانهم بمثله مع المظاهرة والمعاونة، انتفى من باب الأولى الإتيان بمثله مع عدمهما. وقوله: لِبَعْضٍ متعلق بقوله ظَهِيراً.
ولقد بين- سبحانه- في آيات أخرى أنهم لن يستطيعوا الإتيان بعشر سور من مثله، بل بسورة واحدة من مثله.
قال- تعالى-: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ، وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ «1» .
وقال- سبحانه-: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ، وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ «2» .
ومع عجز المشركين عن الإتيان بسورة من مثل القرآن الكريم إلا أنهم استمروا في طغيانهم يعمهون، وأبوا التذكر والتدبر، ولقد صور- سبحانه- أحوالهم أكمل تصوير فقال:
وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ، فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً.
أى: ولقد صرفنا وكررنا ونوعنا للناس في هذا القرآن من كل مثل، أى: من كل معنى بديع، هو كالمثل في بلاغته، وإقناعه للنفوس، وشرحه للصدور، واشتماله على الفوائد الجملة ...
ومفعول: صَرَّفْنا محذوف، والتقدير: ولقد صرفنا الهدايات والعبر بوجوه متعددة..
وقوله- سبحانه-: فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً بيان لموقف الفاسقين عن أمر ربهم من هدايات القرآن الكريم وتوجيهاته، وأوامره ونواهيه.
أى: فأبى أكثر الناس الاستجابة لهديه، وامتنعوا عن الإيمان بأنه من عند الله- تعالى- وجحدوا آياته وإرشاداته، وعموا وصموا عن الحق الذي جاءهم به من نزّل عليه القرآن، وهو رسول لله صلى الله عليه وسلم.
وقال- سبحانه-: فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ بالإظهار في مقام الإضمار، للتأكيد والتوضيح.
والمراد بأكثر الناس: أولئك الذين بلغهم القرآن الكريم، واستمعوا إلى آياته وتوجيهاته وتشريعاته وآدابه، ولكنهم استحبوا الكفر على الإيمان، وآثروا الضلالة على الهداية.
__________
(1) سورة هود الآية 13.
(2) سورة البقرة الآية 23. [.....]

الصفحة 426