كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 8)

فأنت ترى أن ذا القرنين قد رد بما يدل على أنه قد اتبع في حكمه الطريق القويم، والأسلوب الحكيم، الذي يدل على قوة الإيمان، وصدق اليقين، وطهارة النفس.
إنه بالنسبة للظالمين، يعذب، ويقتص، ويرهب النفوس المنحرفة، حتى تعود إلى رشدها، وتقف عند حدودها.
وبالنسبة للمؤمنين الصالحين، يقابل إحسانهم بإحسان وصلاحهم بصلاح واستقامتهم بالتكريم والقول الطيب، والجزاء الحسن.
وهكذا الحاكم الصالح في كل زمان ومكان: الظالمون والمعتدون.. يجدون منه كل شدة تردعهم وتزجرهم وتوقفهم عند حدودهم.
والمؤمنون والمصلحون يجدون منه كل تكريم وإحسان واحترام وقول طيب.
وقوله: ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً بيان لما فعله بعد أن بلغ مغرب الشمس.
أى: وبعد أن بلغ مغرب الشمس، ونال مقصده، كر راجعا من جهة غروب الشمس إلى جهة شروقها.
حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ أى: حتى إذا كر راجعا وبلغ منتهى الأرض المعمورة في زمنه من جهة المشرق.
وَجَدَها أى الشمس تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً أى: لم نجعل لهم من دون الشمس ما يستترون به من البناء أو اللباس، فهم قوم عراة يسكنون الأسراب والكهوف في نهاية المعمورة من جهة المشرق.
وقوله: كَذلِكَ خبر لمبتدأ محذوف، أى: أمر ذي القرنين كذلك من حيث إنه آتاه الله من كل شيء سببا، فبلغ ملك مشارق الأرض ومغاربها.
وقوله وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً بيان لشمول علم الله- تعالى- بأحوال ذي القرنين الظاهرة والباطنة ولأحوال غيره.
أى: كذلك كان شأن ذي القرنين. وقد أحطنا إحاطة تامة وعلمنا علما لا يعزب عنه شيء، بما كان لدى ذي القرنين من جنود وقوة وآلات ... وغير ذلك من أسباب الملك والسلطان.
وقوله- سبحانه-: ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً بيان لما فعله بعد أن بلغ مغرب الشمس ومشرقها.
أى: ثم بعد أن بلغ مغرب الشمس ومشرقها ... سار في طريق ثالث معترض بين المشرق والمغرب، آخذا فيه حَتَّى إِذا بَلَغَ في مسيره ذلك بَيْنَ السَّدَّيْنِ أى: الجبلين، وسمى الجبل سدا، لأنه سد فجا من الأرض.

الصفحة 572