كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 8)

وقال صاحب الظلال: «وبعد، فمن يأجوج ومأجوج؟ وأين هم الآن؟ وماذا كان من أمرهم وماذا سيكون؟
كل هذه أسئلة تصعب الإجابة عليها على وجه التحقيق، فنحن لا نعرف عنهم إلا ما ورد في القرآن، وفي بعض الأثر الصحيح.
والقرآن يذكر في هذا الموضع ما حكاه من قول ذي القرنين: فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا.
وهذا النص لا يحدد زمانا ووعد الله بمعنى وعده بدك السد، ربما يكون قد جاء منذ أن هجم التتار وانساحوا في الأرض. ودمروا الممالك تدميرا.
وفي موضع آخر من سورة الأنبياء: حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ. وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ.
وهذا النص- أيضا- لا يحدد زمانا معينا لخروجهم، فاقتراب الوعد الحق، بمعنى اقتراب الساعة قد وقع منذ زمن الرسول صلى الله عليه وسلم فقد جاء في القرآن: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ والزمان في الحساب الإلهى غيره في حساب البشر، فقد تمر بين اقتراب الساعة ووقوعها ملايين السنين أو القرون.
وإذا فمن الجائز أن يكون السد قد فتح ما بين: «اقتربت الساعة» ، ويومنا هذا.
وتكون غارات المغول والتتار التي اجتاحت الشرق، هي انسياح يأجوج ومأجوج.. وكل ما نقوله ترجيح لا يقين «1» .
هذه بعض حجج القائلين بأنه لا مانع من أن يكون يأجوج ومأجوج قد خرجوا.
وهناك فريق آخر من العلماء، يرون أن يأجوج ومأجوج لم يخرجوا بعد، وأن خروجهم إنما يكون قرب قيام الساعة.
ومن العلماء الذين أيدوا ذلك صاحب أضواء البيان، فقد قال- رحمه الله- ما ملخصه:
اعلم أن هذه الآية: فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وآية الأنبياء: حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ قد دلتا في الجملة على أن السد الذي بناه ذو القرنين، دون يأجوج ومأجوج، إنما يجعله الله دكا عند مجيء الوقت الموعود بذلك فيه. وقد دلتا على أنه بقرب يوم
__________
(1) في ظلال القرآن ج 16 ص 2293.

الصفحة 579