كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 8)

القيامة.. لأن المراد بيومئذ في قوله وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ أنه يوم مجيء وعد ربي بخروجهم وانتشارهم في الأرض.
وآية الأنبياء تدل في الجملة على ما ذكرنا هنا. وذلك يدل على بطلان قول من قال: إنهم «روسيا» وأن السد فتح منذ زمن طويل.
والاقتراب الذي جاء في قوله- تعالى- اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وفي الحديث: «ويل للعرب من شر قد اقترب» لا يستلزم اقترانه من دك السد، بل يصح اقترابه مع مهلة.
وهذه الآيات لا يتم الاستدلال بها على أن يأجوج ومأجوج لم يخرجوا بعد- إلا بضميمة الأحاديث النبوية لها.
ومن ذلك ما رواه الإمام مسلم في صحيحه في ذلك، وفيه: خروج الدجال وبعث عيسى، وقتله للدجال.. ثم يبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون.
فينحاز عيسى ومن معه من المؤمنين إلى الطور.. ثم يرسل الله على يأجوج ومأجوج النغف في رقابهم فيموتون.
وهذا الحديث الصحيح قد رأيت فيه تصريح النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله يوحى إلى عيسى ابن مريم بخروج يأجوج ومأجوج بعد قتله الدجال فمن يدعى أنهم «روسيا» وأن السد قد اندك منذ زمان، فهو مخالف لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مخالفة صريحة لا وجه لها، ولا شك أن كل خبر يخالف الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فهو باطل، لأن نقيض الخبر الصادق. كاذب ضرورة كما هو معلوم.
ولم يثبت في كتاب الله ولا في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم شيء يعارض هذا الحديث الذي رأيت صحة سنده، ووضوح دلالته على المقصود..» «1» .
والذي يبدو لنا أن ما ذهب إليه صاحب أضواء البيان، أقرب إلى الحق والصواب للأسباب التي ذكرها، ولقرينة تذييل الآيات التي تحدثت عن يأجوج ومأجوج عن أهوال يوم القيامة.
ففي سورة الكهف يقول الله- تعالى- في أعقاب الحديث عنهم وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً.
وفي سورة الأنبياء يقول الله- تعالى-: حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ. وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ ...
__________
(1) راجع تفسير أضواء البيان ج 4 ص 181 وما بعدها للشيخ محمد الأمين الشنقيطى.

الصفحة 580