كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 8)
ومن المعلوم لكلِّ عاقلٍ أنه قد ثبت العلمُ بأعداءِ الملوك ومحبَّة الملوكِ لقتل أعدائهم من غير إقرارٍ صحيح بذلك وكتابة (¬1) شهادات العدول في السِّجلاَّت بذلك، ولا شكَّ أنَّ عداوة يزيد للحسين من أشهر العداوات، وأنَّ رضاه بقتله من أوضحِ الأمور الظَّاهرات، والله أعلم.
الوجه السادس: أنَّه ثبت في الصَّحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى هرقلَ ملك الرُّوم أنَّ عليه إثم الأَريسيِّين (¬2)، وهم أهلُ الجهل والخطأ (¬3) والجفاء مِن أهل دينه مثل الحراثين، ومِنَ المعلوم أنَّه لو لم يأمرهم ويرضى بدينهم ما كان عليه مِن إثمهم شيءٌ، وأنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنَّما قال له بذلك لأن (¬4)، ظاهر حاله أنه راضٍ بذلك، لقدرته على التغيير، ولو كان كارهاً لغيَّر، فكذلك سائر الملوك الجبابرة الظاهر منهم الرضا بكلِّ قبيح ظهر في ممالكهم ولم ينكروه، وكذلك يزيد، فإن قتلة الحسين عليه السلام جاؤوا برأسه الكريم مبشرين له، وطالبين للثواب منه، ومظهرين له أنهم قد فعلوا له أحب الأمور إليه، فأقرهم على ذلك، ورضي عنهم، وقد يُحكم بالرضا بأقل من هذا، فقد حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - برضا البكر بالتزويج لسكوتها (¬5)، وليس القصد القياس، وإنما القصد التنبيه على أن الرضا قد يُعرف بغير نُطقٍ وإلا لزم فيمن تزوجت برجلٍ وهي بكرٌ بالغةٌ وأقامت معه، حتى وُلِدَ له منها أولادٌ (¬6)
¬__________
(¬1) في (ش): " وكتابات ".
(¬2) انظر 1/ 207 و2/ 45، وانظر أيضاً " مصنف عبد الرزاق (9724)، و" صحيح البخاري " (4553)، و" صحيح مسلم " (1773)، و" مسند أحمد " 1/ 263، و" صحيح ابن حبان " (6555).
(¬3) " والخطأ " ساقطة من (د) و (ف).
(¬4) في (ش): " أن ".
(¬5) أخرج أحمد 6/ 165، والبخاري (5137) و (6946)، ومسلم (1420)، والنسائي 6/ 85 - 86، وابن حبان (4080) و (4081) و (4082) من حديث عائشة مرفوعاً: " استأمروا النساء في أبضاعهن ". قيل: إن البكر تستحيى. قال: " سكوتها إقرارها ".
(¬6) في " ف ": حتى ولدت له أولاداً.