كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 8)

أن يقبل منها إذا أنكرت الرضا بعد ذلك، وأمثال ذلك، بل أوضح من هذا صحة عقُود الأخرس بالإشارة والعلم بكثير فما يرضى به ويحبه.
الوجه السابع: أن صاحب هذه الشبهة علق الحكم بالعلم بما في باطن يزيد، وليس الحكم يتعلق بذلك شرعاً، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسر عمه العباس يوم بدرٍ، ولما ادعى العباس ذلك اليوم أنه كان مكرهاً، فقال له - صلى الله عليه وسلم -: " أمَّا ظاهرك، فكان علينا ". وأخذ منه الفداء (¬1).
وروى البخاري في " الصحيح " في كتاب الشهادات (¬2) عن عمر بن الخطاب أنه قال: إن أناساً كانوا يُؤخذون بالوحي على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن الوحي قد انقطع، فمن أظهر لنا خيراً أمِنَّاه وقرَّبناه، وليس لنا من سريرته شيءٌ، ومن أظهر لنا سوءاً، لم نأمنهُ ولم نقرِّبه (¬3)، ولم نصدقه، وإن قال: سريرتُه حسنةٌ. انتهى كلامه رضي الله عنه.
والفرق بين هذا الوجه وبين الوجه الأول. أن الحجة في هذا من السمع والأثر والحجة في الأول من (¬4) النظر والجدل.
الوجه الثامن: أنا لو قدرنا ما لم يكن من عدم رضا يزيد بقتل الحسين عليه السلام، فإنه فاسقٌ متواتر الفسق والظلم، شرِّيب الخمر، كما قال أبو عبد الله الذهبي في حقه (¬5): كان ناصبياً جِلفاً فظّاً غليظاً، يتناول المسكر، ويفعل المنكر، وهذا يبيح سبَّه ويُغضِبُ ربه، ولو لم يكن له إلاَّ بغضُ أمير المؤمنين
¬__________
(¬1) انظر " طبقات ابن سعد " 4/ 14، و" تاريخ الطبري " 2/ 465 - 466، و" سير أعلام النبلاء " 2/ 81 - 82، وقد تقدم 2/ 292.
(¬2) برقم (2641)، وقد تقدم 2/ 291.
(¬3) في (د) و (ف): " نعرفه "، وهذه اللفظة لم ترد عند البخاري.
(¬4) " من " ساقطة من (ش).
(¬5) في " النبلاء " 4/ 37 - 38، وقد تقدم ص 26.

الصفحة 104