كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 8)

قال: إن طاعة المتغلِّب (¬1) خيرٌ من الخروج عليه، لما في ذلك من تسكين الدهماء، وحقن الدماء، ولو كان الخروج حراماً قطعاً، والطاعة واجبةً قطعاً، لم يقل: إن الطاعة خيرٌ من الخروج، كما لا يقال: إن صوم رمضان خيرٌ من فِطْرِهِ، لأنهما لم يشتركا في الخير حتى يُفاضَلَ بينهما فيه، وإنما يقال ذلك مجازاً، والظاهر في الكلام عدم التجوز (¬2)، ولذلك لم يقل أحدٌ (¬3) ببقاء الحكم على مفهوم قوله تعالى: {وأن تصوموا خيرٌ لكم} [البقرة: 184]، بل قيل:
منسوخٌ، وقيل: لأهل الأعذار، فالسيد ظن أن كلام ابن بطَّالٍ حجَّةٌ له، وهو حجةٌ عليه، فأُتِيَ مما هو مستند إليه.
ومثل كلامه (¬4) هذا كلام أبي عمر بن عبد البر في " الاستيعاب "، فإنه قال (¬5) في الكلام على حديث مالكٍ، عن يحيى بن (¬6) سعيدٍ، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، عن أبيه، عن جدِّه، قال: " بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في العسر واليُسر والمَنْشطِ والمكره، وأن لا نُنازِع الأمر أهله " (¬7).
قال ابن عبد البر: واختلف الناس في معنى قوله: " وأن لا ننارع الأمر أهله " فقال قومٌ: هم أهل العدل والفضل والدين، وهؤلاء لا ينازَعُون، لأنهم أهل الأمر على الحقيقة.
وقال أهل الفقه: إنما يكون الاختيار في بدء الأمر، ولكن الجائر من الأئمة إذا أقام الجهاد والجُمُعة والأعياد، سكنت له الدَّهماء، وأنصف بعضها من
¬__________
(¬1) في (ش): المتغلب طاعته.
(¬2) في (ش): التجويز.
(¬3) ساقطة من (د) و (ف).
(¬4) كتب فوقها في (ش): " أى: كلام ابن بطال ".
(¬5) في (د) و (ف): " قال فإنه ".
(¬6) تحرف في (ش) إلى: " أبي ".
(¬7) الحديث في " الموطأ " 2/ 445 - 446. وانظر تمام تخريجه في " صحيح ابن حبان " (4547).

الصفحة 17