كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 8)
تَسعَى} [طه: 66]، وهذا -مع نصِّ القرآن عليه- معلومٌ من أحوال السَّحَرةِ وخواص السحر، وفيه ما يدلُّ على جواز وجود الشيء في قوة البصر على سبيلِ التخيل، وإن لم يكن له وجودٌ حقيقيٌّ في حال الصحة واليقظة، ألا ترى إلى قوله تعالى: {يُخَيَّلُ إليه من سحرهم أنها تسعى}، فإن فيه أنه من (¬1) رآها يُخَيَّل إليه أنها تسعى، وفيه أنها غير ساعيةٍ في الحقيقة، ولهذا سمَّاه تخييلاً، ومنه قوله تعالى: {فَتَمَثَّل لها بشراً سوياً} [مريم: 17]، ومنه تصوُّر الملائكة لقوم لوطٍ على صور شبابٍ حسانٍ، وتمثُّل جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم - على صورة دِحية الكلبي مرة (¬2)، وعلى صورة أعرابيٍّ مرةً (¬3)، وإلى ذلك أشار ابن الفارض في قوله (¬4):
يرى ملكاً يُوحَى إليه، وغيرهُ ... يرى رجُلاً يوحى إليه بصحبَةِ
وفي الذكر ذكر اللَّبس ليس بمُنكرٍ ... ولم أعْدُ عن حُكمي كتابٍ وسنةِ
والصحيح: أن صورة جبريل العظيمة لم تُحوَّل عما هي عليه.
الحجة الثانية: قوله عليه السلام: " تنام عيناي ولا ينام قلبي " (¬5). فإذا ثبت أن قلبه لا ينام، فإنه يتخيل له في النوم ما لا حقيقة له، كما يُخيل له عليه السلام أن في سيفه ثُلْمَةً في وقعة أُحدٍ، وتمثَّلت له بقرٌ مُذَبَّحةٌ (¬6)، ونحو ذلك مما لا
¬__________
(¬1) " من " ساقطة من (د) و (ف).
(¬2) أخرجه أحمد 2/ 107، والنسائي في العلم من " الكبرى " كما في " التحفة " 5/ 444 من حديث ابن عمر، وصحَّح إسناده الحافظ في " الإصابة " 1/ 463.
وأخرجه النسائي 8/ 403 من حديث أبي ذر وأبي هريرة بإسناد صحيح. وأخرجه أحمد 6/ 148 و152، والطبراني في " الكبير " 23/ (85) من حديث عائشة، وفيه عبد الله بن عمر العمري، وهو ضعيف.
(¬3) انظر 5/ 505.
(¬4) " ديوانه " ص 60.
(¬5) تقدم تخريجه 1/ 176.
(¬6) أخرح البخاري (3041) و (3622) و (4081) و (7035)، ومسلم (2272)، =