كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 8)
أنه كان في المنام قول أنس مرفوعاً في حديث المعراج: " ثم دنا الجبار تعالى فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى " (¬1).
ومنه أحد الأحاديث المتعارضة في وصف الدَّجال، وهو حديث ابنِ عمر المتفق على صحته (¬2).
وعلى كلا القولين، فهي رؤيا نبوةٍ ورؤيا حقٍّ، كان فيها إثبات التكليف بالصلوات، ورفع منار المناقب النبويات.
وإنما سقتُ الكلام في هذا الوجود الحسِّيِّ، وبسطت فيه، لأن بعض الأشاعرة والصوفية قد ضاقت عليه المسالك في تأويل تلك الأحاديث التي رواها السيد، فَتَمَحَّلَ في تأويلها وأبعد، فجعلها من هذا القبيل، وزعم أنه يحصل يوم القيامة من روعة الأهوال ما يُدهش العقول ويذهلها، كما قال تعالى: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 2]، وإن أدنى الآلام تُغَيِّر العقول، فكيف بأهوال الآخرة؟
قال: ففي خلال تلك الأهوال تَذْهَلُ العقول، ويرى الناس ذلك الذي جاء في الحديث كما قال عليه السلام مثلما يرى النائم والمريض الشيء من غيرِ حقيقةٍ.
قال: والسببُ في رؤيتهم لذلك أن أهوال القيامة لما غَمَرَتْ عقولهم في
¬__________
(¬1) أخرجه البخاري (7517)، وأبو عوانة 1/ 125 و135 من رواية شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن أنس بن مالك، وفي رواية شريك هذه أشياء انفرد بها، لم يتابعه عليها أحد من الحفاظ الأثبات الذين رووا حديث الإسراء وقالوا: إنه اضطرب في حديثه هذا عن أنس، وقال الحافظ في " الفتح " 13/ 485. ومجموع ما خالفت فيه رواية شريك غيره من المشهورين عشرة أشياء، بل تزيد على ذلك، ثم ذكرها، وذكر منها قوله: إن الإسراء كان مناماً، ونسبة الدنو والتولي إلى الله عز وجل، والمشهور أنه جبريل عليه السلام.
(¬2) البخاري (1354) و (1355)، ومسلم (2930) وهو عند ابن حبان (6785) وانظر تمام تخريجه فيه.