كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 8)

قال: وليس موضع الخلاف بيننا وبينهم في تقبيح هذه القبائح، وإنما موضع الخلاف في أن فاعل القبيح -الذي يسمُّونه صفة نقصٍ، كالكذب الذي ليس بضارٍّ- هل يستحق عليه العقوبة في الآخرة، والذم في الدنيا بمجرد العقل قبل ورود الشرع بذلك، أم لا؟ فهم (¬1) يقولون: لا نعرف استحقاق ذلك على هذا القدر قبل الشرع بمحض العقل المجرد عن النظر إلى الشرائع والعوائد، بل لا بد من تعريف الشرع بذلك، والمعتزلة تقول: بل يستقلُّ العقل بمعرفة ذلك قبل ورود الشرع به (¬2)، ولكن معرفة العقل لذلك عندهم معرفة (¬3) جملية، ولا يُهتدى إلى تفصيل (¬4) مقدار العقوبة إلاَّ بالشرع، وهذا عندهم هو الذي اختص الشرع ببيانه (¬5).
وقال الزركشي في " شرح جمع الجوامع " للسبكي: الحُسْنُ والقبح يُطلق بثلاثة اعتبارات:
أحدها: ما يلائم الطبع وينافره، كإنقاذ الغريق، واتهام البريء.
والثاني: صفة الكمال والنقص، كقولنا: العلم حَسَنٌ، والجهل قبيحٌ، وهو بهذين الاعتبارين عقليٌّ بلا خلاف، إذ العقل يستقل بإدراك الحسن والقبح فيهما (¬6)، فلا حاجة في إدراكهما إلى شرعٍ.
والثالث: ما يوجب المدح والذم الشرعي عاجلاً، والثوات والعِقاب آجلاً، فهو محلُّ النِّزاع.
¬__________
(¬1) كتب فوقها في (ش): " أي الأشعرية ".
(¬2) ساقطة من (ش).
(¬3) قوله: " عندهم معرفة " ساقطة من (ف).
(¬4) " تفصيل " ساقطة من (ف).
(¬5) انظر المحصول 1/ 1/159 - 166.
(¬6) في (ش): " فيها ".

الصفحة 7