كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 8)

- صلى الله عليه وسلم - وسمَّاه عِتْرِيفاً (¬1) مُتْرَفَاً، وأخبر أنه يَثْلُمُ أمر الأمة- بأحسن الأوصاف ونُسمِّيه بأكرم الأسماء، وهو الإسلام والإيمان، ويترك ذمه بجميع ما يستحقه أو بعضه مِنَ الوصف بالعصيان والفسوق والكفران والمروق كما وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك من فعل بعض ما فعل من الخوارج، مع اختصاصهم دون يزيد بالعبادة والتلاوة والتأويل والصيانة؟! وهل هذا إلاَّ خلاف الحكمة النبوية، وخلاف الأدب مع رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ وإن كان الصحيح أن " الإيمان سريرةٌ، والإسلام علانيةٌ " كما رواه أحمد (¬2) مرفوعاً بهذا اللفظ ودل عليه كثيرٌ من الآيات والأخبار، كما ذكر في هذا الكتاب مبسوطاً في موضعه.
الوجه الثالث: أنه قد ورد السمع قرآناً وسنةً بلعن مرتكبي معاصٍ كثيرةٍ لا يكفر مرتكبها (¬3)، مثل قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93] وفي الآية أحكامٌ كثيرةٌ، مثل تحريم قتل المؤمن، واستحقاق فاعل ذلك للعقاب والغضب واللعنة، واستحقاق الخلود، ولم يتأول أهل الحديث (¬4) شيئاً منها إلا الخلود لموجبات (¬5) ذلك، وقيل: منسوخ، وقيل: مخصوصٌ بالقاتل الكافر.
ومن ذلك ما ورد في جميع دواوين الإسلام من لعن أهل المعاصي، فقد صح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن من آوى محدثاً، ومن غير منار الأرض، ومن
¬__________
(¬1) العتريف: الغاشم الظالم.
(¬2) 3/ 134 - 135. ورواه أيضاً أبو عبيد في " الإيمان " ص 5، والبزار (201)، وأبو يعلى (2923)، وذكره الهيثمي في " مجمع الزوائد " 1/ 52، وقال: رجاله رجال الصحيح ما خلا علي بن مسعدة، وقد وثقه ابن حبان وأبو داود الطيالسي وأبو حاتم وابن معين، وضعفه آخرون.
(¬3) في (ش): " مرتكبوها ".
(¬4) عبارة " أهل الحديث " لم ترد في (د) و (ش).
(¬5) في (ش): " الموجبات ".

الصفحة 88