كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 8)

فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حكم بأنها لا ترجِعُ إلى قائلها حتى يكون الملعون بها غير أهلٍ لها (¬1)، وإذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد لعن الواشمة والنامصة، ومن أمَّ قوماً وهم له كارهون، ونحوهم من هذه المعاصي المستصغرة بالنظر إلى ما قدمنا ذكر طرق منه من أفعال يزيد، فكيف يقطع أنه (¬2) لا يستحق اللعنة؟
فإن قيل: إنما أراد صاحب الكلام أنه لا يجوز لعن أحدٍ بعينه من العصاة، وإن جاز لعنه على الإطلاق من غير تعيين.
قلت: هذا لا يصح لوجوهٍ:
الوجه الأول: إن المسألة ظنية خلافية، لا يستحق المخالف فيها (¬3) التأثيم ولا الإنكار، فضلاً عن التفسيق واللعن، وقد ذكر الإمام النووي في " الأذكار " (¬4) أن الظاهر جواز ذلك، وقد صدر ذلك عن غير واحدٍ من السلف الصالح، ولو لم يصح فيه إلاَّ ما خرجه البخاري ومسلم (¬5) عن ابن عمر أنه مرَّ بفتيان مِنْ قريش قد نصبوا طيراً وهم يرمونه، فقال: لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً، فهذا الصاحب الجليل لعن جماعةًَ معيَّنين من فتيان قريشٍ، أيكون عبد الله بن عمر ملعوناً؟! حاشاه - رضي الله عنه - من ذلك.
ومن ذلك ما رواه البيهقي في " سننه الكبرى " في جماع أبواب الكلام في الصلاة في أول بابٍ منه، من حديث عبد الرحمن بن معقل أنه قال:
¬__________
= 10/ 467.
وعن ابن عباس عند أبي داود (4908)، والترمذي (1978)، والطبراني في " الكبير " (12757)، وصححه ابن حبان (5745).
(¬1) " لها " ساقطة من (ش).
(¬2) في (د): بأنه.
(¬3) " فيها " ساقطة من (ش).
(¬4) ص 500.
(¬5) البخاري (5515)، ومسلم (1958). وأخرجه أيضاً أحمد 1/ 338 و2/ 43، والنسائي 7/ 238، والحاكم 4/ 234.

الصفحة 90