كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 8)

تأويل الحديث ليوافق مذهبه، وإنما يجوز التأويل عند الضرورة على ما هو مفصَّلٌ في مواضعه.
فأما قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عائشة رضي الله عنها: " فأيُّما أحدٍ دعوتُ عليه من أمتي بدعوةٍ ليس لها بأهلٍ (¬1)، فليس ذلك يدلُّ على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يلعن من ليس لذلك بأهلٍ، لأن ظاهر أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - الإباحة، وحديث عائشة هذا ليس فيه ذكر اللعن، وإنما ورد على سببٍ مخصُوصٍ، وهو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ليتيمة أُم سلمة: " لا كبِرَتْ سِنُّك " (¬2) وظاهر هذا الدعاء الإباحة وإن لم تكن اليتيمة أهلاً له، فليس ذلك دالاًّ على تحريمه، وليس يجوز القول بأن فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محرَّمٌ إلاَّ بدليلٍ واضحٍ (¬3)، و (¬4) على أن الصحيح أيضاً عند كثيرٍ من العلماء أنه لا يجوز تعمُّد الصغائر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
الوجه الثالث: ما روى مسلمٌ في " صحيحه " (¬5) عن جابرٍ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى حماراً قد وُسِمَ في وجهه، فقال: " لعن الله الذي وسمه " وهذا نص في موضع النزاع وفيه ما يرُدُّ على قول الغزالي المقدم في الوجه قبله، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علق اللعن بوسم الوجه، فدل على أنه العلة في جواز اللعن، كما إذا قال: من أحدث فليتوضأ، فإنه يعلم أن الحدث هو علَّةُ الوضوء، وذلك معروفٌ في فن (¬6) الأصول.
¬__________
(¬1) حديث عائشة أخرجه مسلم (2600)، وليس فيه قوله - صلى الله عليه وسلم -: " ليس لها باهل ". إنما هو في حديث أنس الذي أخرجه مسلم برقم (2603). وانظر ابن حبان (6514)، والتعليق الآتي.
(¬2) انظر التعليق السابق، وحديث عائشة كما رواه مسلم، قالت: دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلان، فكلماه بشيء لا أدري ما هو، فأغضباه، فلعنهما وسبهما ...
(¬3) عبارة " محرم إلاَّ بدليل واضح " ساقطة من (د).
(¬4) الواو ساقطة من (ف).
(¬5) برقم (2217). وأخرجه أيضاً ابن حبان (5628)، والبيهقي 7/ 35.
(¬6) " فن " ساقطة من (ف).

الصفحة 92