كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 8)

الأدلة أن لعن أهل الكبائر جائزٌ، بل قد وقع من أرحم الخلق وأشفقهم، وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شفيع الخلائق وسيد ولد آدم، وذلك لِمَا فيه من زجر الناس أن يرتكبوا ما ارتكب أولئك الذين استحقوا اللعنة، فكيف يقال: إنَّ من لعن مسلماً على الإطلاق، وإن كان فاسقاً، فهو الملعون.
أفلا يخاف صاحب هذا الكلام أن يكون تناول (¬1) باللعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخيار الصحابة وخيار المؤمنين.
فحاشا مقام الإمام الغزالي من مثل هذه الجهالة الشنيعة، والبدعة البديعة.
وأما احتجاج صاحب تلك الفتوى على ذلك بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " المؤمن ليس باللعان " (¬2)، فالجواب من وجهين:
الوجه الأول: أنه لا يدل على تحريم لعن أحدٍ بعينه، بل هو مطلقٌ، وقد فسَّره صاحب الشريعة، فأجاز لعن الظالمين والكافرين ونحوهم، فدلَّ على أن التحريم منصرفٌ إلى المؤمنين القائمين بفرائض الإيمان، الحافظين لأنفسهم (¬3) عن انتهاك محارمه، وتعدِّي حدوده.
الوجه الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفى أن يكون المؤمن لعَّاناً، وليس اللعان من لعن بعض العُصاة غضباً لله تعالى، وزجراً لأهل المعاصي في بعض الأحوال، كما فعل ذلك (¬4) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وغير واحد من فضلاء الصحابة (¬5)، وإنما
¬__________
(¬1) في (ش): " يتناول ".
(¬2) أخرجه من حديث ابن مسعود أحمد 1/ 404 و405 و416، وابن أبي شيبة 11/ 18، والبخاري في " الأدب المفرد " (312) و (332)، والترمذي (1977)، والطبراني في " الكبير " (10483)، وصححه ابن حبان (192)، والحاكم 1/ 12، ووافقه الذهبي.
(¬3) في (ش): " أنفسهم ".
(¬4) " ذلك " ساقطة من (ش).
(¬5) في (د): " أصحابه ".

الصفحة 95