كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 8)

اللعان: كثير اللعن عند كل غضب، في صغير الأمور وكبيرها، وكذلك السباب (¬1)، وقد صح عن أبي بكرٍ الصديق أنه غَضِبَ على ولده عبد الرحمن، فجدَّع وسبَّ (¬2)، فهذا صَدَرَ من الصِّدِّيق رضي الله عنه على سبب (¬3) يسير، كما ذلك معروفٌ في كتب الحديث، وليس يستحق الصِّدِّيق أن يُسمى بذلك سبّاباً، وكذلك قول الصِّدِّيق يوم الحديبية لسهيل بن عمرو: امصُص بظر اللاَّت (¬4)، ولم يكن بذلك الصِّدِّيق فاحشاً، وإن كانت كلمة فُحشٍ لما قالها غضباً لله تعالى.
وإذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - -أحلم الخلق وأشفقهم- غَضِبَ على من وسم حماراً في وجهه، فلعن من وَسَمَهُ، فكيف لا يغضب المسلم على من قتل الحسين الشهيد ريحانة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقرة عينه، أما يكون العصيان بقتل ريحانة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقبح من العصيان بوسم الحمار الذي غضب له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويكون قطع رأسه الكريم وتقويره وحمله على عودٍ أوجع للقلب وأقوى في إثارة الغضب والكرب من وسم وجه ذلك الحمار، على أن الذي وسم وجه الحمار لم يفعل ذلك عداوةً للحمار، ولا استهانةً به، وإنما فعله لمنفعةٍ ظنها في ذلك.
فاعجب كيف غضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لوسم وجه ذلك الحمار، واعجب من قومٍ يدعون الإسلام الكامل، ولا يغضبون لولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد ذبح
¬__________
(¬1) " السباب " ساقطة من (ف).
(¬2) أخرجه أحمد 1/ 197 و198، والبخاري (602) و (3581) و (6140) و (6141)، ومسلم (2057)، وأبو داود (3270) و (3271)، وابن حبان (4350).
(¬3) في (ش) و (ف): " سب " وهو خطأ.
(¬4) قطعة من حديث مطول أخرجه عبد الرزاق (9720)، من طريقه أحمد 4/ 328 - 331، والبخاري (2731 و2732)، وابن حبان (4872)، وانظر تمام تخريجه فيه.

الصفحة 96