كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية (اسم الجزء: 8)

وقد عرف من آية "سورة براءة" أن قصد أحد الأغراض الدنيوية، ليس بعذر شرعي، بل فاعله فاسق لا يهديه الله، كما هو نص الآية؛ والفسوق إذا أطلق، ولم يقترن بغيره، فأمره شديد، ووعيده أشد وعيد. وأي خير يبقى مع مشاهدة تلك المنكرات، والسكوت عليها، وإظهار الطاعة والانقياد، لأوامر من هذا دينه، وتلك نحلته، والتقرب إليهم بالبشاشة، والزيارة والهدايا، والتأنق في المآكل والمشارب، وإن زعم أن له غرضاً من الأغراض الدنيوية؟ فذلك لا يزيده إلا مقتاً، كما لا يخفى على من له أدنى ممارسة للعلوم الشرعية، واستئناس بالأصول الإسلامية.
وقد جاء القرآن العظيم، بالوعيد الشديد، والتهديد الأكيد، على مجرد ترك الهجرة، كما في آية "النساء"، وقد ذكر المفسرون هناك، ما به الكفاية والشفاء، وتكلم عليها شيخنا محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله تعالى، وأفاد وأوفى; ودعوى التقية لا تجدي مع القدرة على الهجرة، ولذلك لم يستثن الله إلا المستضعفين من الأصناف الثلاثة.
وقد ذكر علماؤنا تحريم الإقامة، والقدوم إلى بلد يعجز فيها عن إظهار دينه؛ والمقيم للتجارة والتكسب، والمستوطن، حكمهم وما يقال فيهم، حكم المستوطن، لا فرق. وأما دعوى البغض والكراهة، مع التلبس بتلك الفضائح، فذلك لا يكفي في النجاة، ولله حكم وشرع،

الصفحة 356