كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 8)

أَنَّهُ كِنَايَةٌ. وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ: خُذِي طَلَاقَكِ، فَقَالَتْ: أَخَذْتُ، لَمْ تُطَلَّقْ مَا لَمْ تُوجَدْ نِيَّةُ الْإِيقَاعِ مِنَ الزَّوْجِ بِقَوْلِهِ: خُذِي أَوْ مِنَ الْمَرْأَةِ إِنْ حَمَلَ قَوْلَهُ عَلَى تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ إِلَيْهَا.
وَفِي «الْإِقْنَاعِ» لِأَقْضَى الْقُضَاةِ الْمَاوَرْدِيِّ، أَنَّ قَوْلَهُ: لَعَلَّ اللَّهَ يَسُوقُ إِلَيْكِ خَيْرًا كِنَايَةٌ، وَذَكَرَ هُوَ وَغَيْرُهُ أَنَّ قَوْلَهُ: بَارَكَ اللَّهُ لَكِ، كِنَايَةٌ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: بَارَكَ اللَّهُ فِيكِ.
وَفِي «فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ» : إِذَا كَتَبَ الشُّرُوطِيُّ إِقْرَارَ رَجُلٍ بِالطَّلَاقِ، فَقَالَ لَهُ الشُّهُودُ: نَشْهَدُ عَلَيْكَ بِمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ؟ فَقَالَ: اشْهَدُوا، لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ لَوْ قَالَ: اشْهَدُوا عَلَى أَنِّي طَلَّقْتُهَا أَمْسِ، وَهُوَ كَاذِبٌ، لَمْ يَقَعْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَفِي «التَّتِمَّةِ» أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِوَاحِدَةٍ مِنْ نِسَائِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ مِائَةَ طَلْقَةٍ، فَقَالَتْ: تَكْفِينِي ثَلَاثٌ، فَقَالَ: الْبَاقِي عَلَى صَوَاحِبِكِ، لَا يَقَعُ عَلَى صَوَاحِبِهَا طَلَاقٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يُخَاطِبْهُنَّ، وَإِنَّمَا رَدَّ عَلَيْهَا شَيْئًا لَاغِيًا، فَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ، كَانَ طَلَاقًا وَكَانَ التَّقْدِيرُ: أَنْتِ طَالِقٌ بِثَلَاثٍ، وَهُنَّ طَوَالِقُ بِالْبَاقِي وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، وَأَنْتِ يَا أُمِّ أَوْلَادِي، قَالَ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ: لَا تُطَلَّقُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ: لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: نِسَاءُ الْعَالَمِينَ طَوَالِقُ وَأَنْتِ يَا فَاطِمَةُ، لَا تُطَلَّقُ، لِأَنَّهُ عَطَفَ عَلَى نِسْوَةٍ لَمْ يُطَلَّقْنَ، وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ رِجْلٌ: فَعَلْتَ كَذَا فَأَنْكَرَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: الْحِلُّ عَلَيْكَ حَرَامٌ، وَالنِّيَّةُ نِيَّتِي أَنَّكَ مَا فَعَلْتَ، فَقَالَ: الْحِلُّ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَالنِّيَّةُ نِيَّتُكَ مَا فَعَلْتَهُ، لَغَا قَوْلُهُ: النِّيَّةُ نِيَّتُكَ، وَيَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا لَوْ تَلَفَّظَ بِهَذَا اللَّفْظِ ابْتِدَاءً. وَلَوْ قَالَ لَهُ لَمَّا أَنْكَرَ: امْرَأَتُكَ طَالِقٌ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا، فَقَالَ: طَالِقٌ، وَقَالَ: مَا أَرَدْتُ طَلَاقَ امْرَأَتِي، يُقْبَلُ ; لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ إِشَارَةٌ إِلَيْهَا وَلَا تَسْمِيَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ إِرَادَةَ غَيْرِهَا، حُكِمَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

الصفحة 38