كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 8)

بِغَيْرِ إِذْنٍ، وَحُكْمُهُ أَنْ لَا يَجُوزَ لَهَا الْخُرُوجُ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ الْحَجُّ فَرْضًا، (بَلْ) يَلْزَمُهَا أَنْ تُقِيمَ وَتَعْتَدَّ، لِأَنَّ لُزُومَ الْعِدَّةِ سَبَقَ الْإِحْرَامَ، فَإِذَا انْقَضَتِ الْعِدَّةُ، أَتَمَّتْ عُمْرَتَهَا إِنْ كَانَتْ مُعْتَمِرَةً، وَكَذَا الْحَجُّ إِنْ بَقِيَ وَقْتُهُ، فَإِنْ فَاتَ، تَحَلَّلَتْ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، وَلَزِمَهَا الْقَضَاءُ وَدَمُ الْفَوَاتِ.
وَلَوْ أَحْرَمَتْ أَوَّلًا بِإِذْنِ الزَّوْجِ، أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا، فَإِنْ كَانَتْ تَخْشَى فَوَاتَ الْحَجِّ لِضِيقِ الْوَقْتِ، خَرَجَتْ إِلَى الْحَجِّ مُعْتَدَّةً، لِأَنَّ الْإِحْرَامَ سَبَقَ الْعِدَّةَ، مَعَ أَنَّهُ فِي خُرُوجِهَا يَحْصُلُ الْحَجُّ وَالْعِدَّةُ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَخْشَى فَوَاتَ الْحَجِّ أَوْ أَقَامَتْ لِلْعِدَّةِ، أَوْ كَانَ الْإِحْرَامُ بِعُمْرَةٍ، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي «الْمُهَذَّبِ» : يَلْزَمُهَا أَنْ تُقِيمَ لِلْعِدَّةِ، ثُمَّ تَخْرُجَ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ. وَأَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَكْثَرُونَ: تَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ تُقِيمَ وَبَيْنَ أَنْ تَخْرُجَ فِي الْحَالِ، لِأَنَّ مُصَابَرَةَ الْإِحْرَامِ مَشَقَّةٌ.
فَرْعٌ
مَنْزِلُ الْبَدَوِيَّةِ وَبَيْتُهَا مِنْ صُوفٍ وَوَبَرٍ وَشَعْرٍ، كَمَنْزِلِ الْحَضَرِيَّةِ مِنْ طِينٍ وَحَجَرٍ، فَإِذَا لَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ فِيهِ، لَزِمَهَا مُلَازَمَتُهُ، فَإِنْ كَانَ أَهْلُهَا نَازِلِينَ عَلَى مَا لَا يَنْتَقِلُونَ عَنْهُ، وَلَا يَظْعَنُونَ إِلَّا لِحَاجَةٍ، فَهِيَ كَالْحَضَرِيَّةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَوْمٍ يَنْتَقِلُونَ شِتَاءً أَوْ صَيْفًا، فَإِنِ ارْتَحَلُوا جَمِيعًا ارْتَحَلَتْ مَعَهُمْ لِلضَّرُورَةِ، وَإِنِ ارْتَحَلَ بَعْضُهُمْ، نُظِرَ، إِنْ كَانَ أَهْلُهَا مِمَّنْ لَمْ يَرْتَحِلْ وَفِي الْمُقِيمِينَ قُوَّةٌ وَعَدَدٌ، فَلَيْسَ لَهَا الِارْتِحَالُ. وَإِنِ ارْتَحَلَ أَهْلُهَا وَفِي الْبَاقِينَ قُوَّةٌ وَعَدَدٌ، فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهَا الِارْتِحَالُ، بَلْ تَعْتَدُّ هُنَاكَ لِتَيَسُّرِهِ، وَأَصَحُّهُمَا: تَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ تُقِيمَ وَبَيْنَ أَنْ تَرْتَحِلَ، لِأَنَّ مُفَارَقَةَ الْأَهْلِ عُسْرَةٌ مُوحِشَةٌ.
وَلَوْ هَرَبَ أَهْلُهَا خَوْفًا مِنْ عَدُوٍّ وَلَمْ يَنْتَقِلُوا، وَلَمْ تَخَفْ هِيَ، لَمْ يَجُزْ لَهَا الِارْتِحَالُ، لِأَنَّ الْمُرْتَحِلِينَ يَعُودُونَ إِذَا أَمِنُوا، وَلَوِ ارْتَحَلَتْ حَيْثُ يَجُوزُ الِارْتِحَالُ، ثُمَّ أَرَادَتِ الْإِقَامَةَ فِي قَرْيَةٍ فِي الطَّرِيقِ وَالِاعْتِدَادَ فِيهَا، جَازَ، لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِحَالِ الْمُعْتَدَّةِ مِنَ السَّيْرِ.

الصفحة 413