كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 8)

إِذَا أَتَاكِ كِتَابِي، أَوْ بَلَغَكِ، أَوْ وَصَلَ إِلَيْكِ كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهَا فَإِنِ انْمَحَى جَمِيعُ الْمَكْتُوبِ، فَبَلَغَهَا الْقِرْطَاسُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ قِرَاءَتُهُ، لَمْ تُطَلَّقْ كَمَا لَوْ ضَاعَ. وَقِيلَ: تُطَلَّقُ، إِذْ يُقَالُ: أَتَى كِتَابُهُ وَقَدِ انْمَحَى، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. وَإِنْ بَقِيَ أَثَرٌ، وَأَمْكَنَتْ قِرَاءَتَهُ، طُلِّقَتْ، كَمَا لَوْ وَصَلَ بِحَالِهِ، وَإِنْ وَصَلَهَا بَعْضُ الْكِتَابِ دُونَ بَعْضِهِ، فَخَرْمُ الْكِتَابِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: مَوْضِعُ الطَّلَاقِ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الضَّائِعَ، أَوِ انْمَحَى مَا فِيهِ، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. أَصَحُّهَا: لَا تُطَلَّقُ، وَالثَّانِي: تُطَلَّقُ، وَالثَّالِثُ: إِنْ قَالَ: إِذَا جَاءَكِ كِتَابِي، وَقَعَ. وَإِنْ قَالَ: إِذَا جَاءَكِ كِتَابِي هَذَا أَوِ الْكِتَابُ، فَلَا.
الثَّانِي: مَوْضِعُ سَائِرِ مَقَاصِدِ الْكِتَابِ، وَمِنْهُ مَا يَعْتَذِرُ بِهِ عَنِ الطَّلَاقِ وَيُوَبِّخُهَا عَلَيْهِ مِنَ الْأَفْعَالِ الْمُلْجِئَةِ إِلَى الطَّلَاقِ، فَإِنْ كَانَ الْخَلَلُ فِيهِ بِالتَّخَرُّقِ وَالِانْمِحَاءِ، وَبَقِيَ مَوْضِعُ الطَّلَاقِ وَغَيْرُهُ، فَفِيهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ، وَالْوُقُوعُ هُنَا أَوْلَى، وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، لِوُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَيَحْسُنُ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ فِي الصُّورَتَيْنِ.
الثَّالِثُ: مَوْضِعُ السَّوَابِقِ وَاللَّوَاحِقِ، كَالتَّسْمِيَةِ، وَصَدْرِ الْكِتَابِ، وَالْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ. فَإِذَا كَانَ الْخَلَلُ فِيهِ وَالْمَقَاصِدُ بَاقِيَةً، فَفِيهِ الْأَوْجُهُ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ هُنَا، الْوُقُوعُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَكُنْتُ أَوَدُّ أَنْ يُفَرَّقَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ بَيْنَ أَنْ يَبْقَى مُعْظَمُ الْكِتَابِ، أَمْ يَخْتَلَّ؟ فَإِنَّ لِلْمُعْظَمِ أَثَرًا فِي بَقَاءِ الِاسْمِ وَعَدِمِهِ.
قُلْتُ: هَذَا الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ، هُوَ وَجْهٌ ذَكَرَهُ فِي «الْمُسْتَظْهِرِيِّ» لَكِنَّهُ لَمْ يَطْرُدْهُ فِيمَا إِذَا انْمَحَى مَوْضِعُ الطَّلَاقِ، لَمْ يَقَعْ عِنْدَهُ. وَعِنْدَ سَائِرِ الْعِرَاقِيِّينَ قَطْعًا، وَلَفْظُهُ: وَقِيلَ: إِنْ وُجِدَ أَكْثَرُ الْكِتَابِ، طُلِّقَتْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الصفحة 43