كتاب تفسير الألوسي = روح المعاني (اسم الجزء: 8)

لعن طاعميها من الكفرة كما روي عنه أيضا، ووصفها بذلك من المجاز في الإسناد وفيه من المبالغة ما فيه أو لعنها نفسها ويراد باللعن معناه اللغوي وهو البعد فهي لكونها في أبعد مكان من الرحمة وهو أصل الجحيم الذي تنبت فيه ملعونة حقيقة.
وأخرج ابن المنذر عن الحبر أنها وصفت بالملعونة لتشبيه طلعها برؤوس الشياطين والشياطين ملعونون. وقيل تقول العرب لكل طعام مكروه ضار: ملعون، وروي في جعلها فتنة لهم أنه لما نزل في أمرها في الصافات وغيرها ما نزل. قال أبو جهل وغيره: هذا محمد صلّى الله عليه وسلّم يتوعدكم بنار تحرق الحجارة ثم يقول ينبت فيها الشجر وما نعرف الزقوم إلا بالتمر بالزبد، وأمر أبو جهل جارية له فأحضرت تمرا وزبدا وقال لأصحابه ترقموا.
وافتتن بهذه المقالة أيضا بعض الضعفاء ولقد ضلوا في ذلك ضلالا بعيدا حيث كابروا قضية عقولهم فإنهم يرون النعامة تبتلع الجمر وقطع الحديد المحماة الحمر فلا تضرها والسمندل يتخذ من وبره مناديل تلقى في النار إذا اتسخت فيذهب الوسخ وتبقى سالمة، ومن أمثالهم في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار.
وعن ابن عباس أنها الكشوث المذكورة في قوله تعالى: كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ [إبراهيم: 26] ولعنها في القرآن وصفها فيه بما سمعت في هذه الآية ومر آنفا ما مر عن العرب، والافتتان بها أنهم قالوا عند سماع الآية: ما بال الحشائش تذكر القرآن، والمعمول عليه عند الجمهور رواية الصحيح عن الحبر.
وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما وَالشَّجَرَةَ بالرفع على الابتداء وحذف الخبر أي والشجرة الملعونة في القرآن كذلك وَنُخَوِّفُهُمْ بذلك ونظائره من الآيات فإن الكل للتخويف، وإيثار صيغة الاستقبال للدلالة على الاستمرار التجددي.
وقرأ الأعمش «ويخوفهم» بالياء آخر الحروف فَما يَزِيدُهُمْ التخويف إِلَّا طُغْياناً تجاوزا عن الحد كَبِيراً لا يقادر قدره فلو أرسلنا بما اقترحوه من الآيات لفعلوا بها فعلهم بإخوانها وفعل بهم ما فعل بأمثالهم وقد سبقت كلمتنا بتأخير العقوبة العامة إلى الطامة الكبرى هذا فيما أرى هو الأوفق بالنظم الكريم واختاره في إرشاد العقل السليم.
وعن الحسن ومجاهد وقتادة وأكثر المفسرين تفسير الإحاطة بالقدرة، والكلام مسوق لتسلية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عما عسى يعتريه من عدم الإجابة إلى إنزال الآيات المقترحة لمخالفتها للحكمة من نوع حزن من طعن الكفرة حيث كانوا يقولون: لو كنت رسولا حقا لأتيت بهذه المعجزة كما أتى بها من قبلك من الأنبياء عليهم السلام فكأنه قيل اذكر وقت قولنا لك إن ربك اللطيف بك قد أحاط بالناس فهم في قبضة قدرته لا يقدرون على الخروج من ربقة مشيئته فهو يحفظك منهم فلا تهتم بهم وامض لما أمرتك به من تبليغ الرسالة ألا ترى أن الرؤيا التي أريناك من قبل جعلناها فتنة للناس مورثة للشبهة مع أنها ما أورثت ضعفا لأمرك وفتورا في حالك وبعضهم حمل الإحاطة على الإحاطة بالعلم إلا أنه ذكر في حاصل المعنى ما يقرب مما ذكر فقال: أي إنه سبحانه عالم بالناس على أتم وجه فيعلم قصدهم إلى إيذائك إذا لم تأتهم بما اقترحوا ويعصمك منهم فامض على ما أنت فيه من التبليغ والإنذار ألا ترى إلخ.
ولا يخفى أن ذكر الرب مضافا إلى ضميره صلّى الله عليه وسلّم وأمره عليه الصلاة والسلام بذكر ذلك القول أنسب بكون الآية مسوقة لتسليته على الوجه الذي نقل، وذكر التخويف وأنه ما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا أوفق بما فسرت به الآية أولا، وادعى بعضهم أنه لا يخلو عن نوع تسلية، وقيل: الإحاطة هنا الإهلاك كما في قوله تعالى: وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ [الكهف: 42] والناس قريش ووقت ذلك الإهلاك يوم بدر، وعبر عنه بالماضي مع كونه منتظرا حسبما ينبىء عنه قوله

الصفحة 101