كتاب تفسير الألوسي = روح المعاني (اسم الجزء: 8)

يسم عند الجماع فالجان ينطوي على إحليله فيجامع معه وذلك هي المشاركة في الأولاد، والأولى ما ذكرنا.
وَعِدْهُمْ المواعيد الباطلة كشفاعة الآلهة ونفع الأنساب الشريفة من لم يطع الله تعالى أصلا وعدم خلود أحد في النار لمنافاة ذلك عظم الرحمة وطول أمل البقاء في الدنيا ومن الوعد الكاذب وعده إياهم أنهم إذا ماتوا لا يبعثون وغير ذلك مما لا يحصى كثرة، ثم هذا من قبيل المشاركة في النفس كما في البحر.
وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً اعتراض بين ما خوطب به الشيطان لبيان حال مواعيده والالتفات إلى الغيبة لتقوية معنى الاعتراض مع ما فيه من صرف الكلام عن خطابه وبيان حاله للناس ومن الإشعار بعلية شيطنته للغرور وهو تزيين الخطأ بما يوهم أنه صواب ويقال: غر فلانا إذا أصاب غرته أي غفلته ونال منه ما يريد، وأصل ذلك على ما قال الراغب من الغر وهو الأثر الظاهر من الشيء، ونصبه على أنه وصف مصدر محذوف أي وعدا غرورا على الأوجه التي في رجل عدل.
وجوز أن يكون مفعولا من أجله أي وما يعدهم ويمينهم ما لا يتم ولا يقع إلا لأن يغرهم والأول أظهر.
وذكر الإمام في سبب كون وعد الشيطان غرورا لا غير أنه إنما يدعو إلى أحد ثلاثة أمور قضاء الشهوة. وإمضاء الغضب وطلب الرياسة والرفعة ولا يدعو البتة إلى معرفة الله تعالى وخدمته وتلك الأشياء الثلاثة ليست لذائذ في الحقيقة بل دفع آلام وإن سلم أنها لذائذ لكنها خسيسة يشترك فيها الناقص والكامل بل الإنسان والكلب ومع ذلك وهي وشيكة الزوال ولا تحصل إلا بمتاعب كثيرة ومشاق عظيمة ويتبعها الموت والهرم واشتغال البال بالخوف من زوالها والحرص على بقائها، ولذات البطن والفرج منها لا تتم إلا بمزاولة رطوبات متعفنة مستقذرة فتزيين ذلك لا يكاد يكون إلا بما هو أكذب من دعوى اجتماع النقيضين وهو الغرور.
إِنَّ عِبادِي الإضافة للتعظيم فتدل على تخصيص العباد بالمخلصين كما وقع التصريح به في الآية الأخرى ولقرينة كون الله تعالى وكيلا لهم يحميهم من شر الشيطان فإن من هو كذلك لا يكون إلا عبدا مكرما مختصا به تعالى، وكثيرا ما يقال لمن يستولي عليه حب شيء فينقاد له عبد ذلك الشيء ومنه عبد الدينار والدرهم وعبد الخميصة وعبد بطنه، ومن هنا يقال لمن يتبع الشيطان عبد الشيطان فلا حاجة إلى القول بأن في الكلام صفة محذوفة أي إن عبادي المخلصين.
وزعم الجبائي أن عِبادِي عام لجميع المكلفين وليس هناك صفة محذوفة لكن ترك الاستثناء اعتمادا على التصريح به في موضع آخر وليس بشيء، وفي هذه الإضافة إيذان بعلة ثبوت الحكم في قوله سبحانه:
لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ أي تسلط وقدرة على إغوائهم، وتأكيد الحكم مع اعتراف الخصم به لمزيد الاعتناء.
وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا لهم يتوكلون عليه جل وعلا ويستمدون منه تعالى في الخلاص عن إغوائك فيحميهم سبحانه منه، والخطاب في هذه الجملة قيل للشيطان كما في الجملة السابقة ففي التعرض لوصف الربوبية المنبئة عن المالكية المطلقة والتصرف الكلي مع الإضافة إلى ضميره إشعار بكيفية كفايته تعالى لهم وحمايته إياهم منه أعني سلب قدرته على إغوائهم، وقيل للنبي عليه الصلاة والسلام أو للإنسان كأنه لما بين سبحانه من حال الشيطان ما بين صار ذلك لحصول الخوف في القلوب فقال سبحانه: وَكَفى بِرَبِّكَ أيها النبي أو أيها الإنسان وكيلا فهو جل

الصفحة 107