كتاب تفسير الألوسي = روح المعاني (اسم الجزء: 8)

عباس رضي الله تعالى عنهما واختيار الزجاج على ما رواه الواحدي في البسيط، ومنهم من فصل فقال: إن الرسل من البشر أفضل مطلقا ثم الرسل من الملائكة على من سواهم من البشر والملائكة ثم عموم الملائكة على عموم البشر وهذا ما عليه أصحاب الإمام أبي حنيفة عليه الرحمة وكثير من الشافعية والأشعرية، ومنهم من عمم تفضيل الكمل من نوع الإنسان نبيا كان أو وليا، ومنهم من فضل الكروبيين من الملائكة مطلقا ثم الرسل من البشر ثم الكمل منهم ثم عموم الملائكة على عموم البشر.
وهذا ما عليه الإمام الرازي وبه يشعر كلام الغزالي في مواضع عديدة في كتبه، ومن هذا يعلم أن إطلاق القول بأن أهل السنة يفضلون البشر على الملك ليس على ما ينبغي، وهذه المسألة ومسألة تفضيل الأئمة ليستا مما يبدع الذاهب إلى أحد طرفيهما على ما في الكشف إذ لا يرجع إلى أصل في الاعتقاد ولا يستند إلى قطعي بعد أن يسلم من الطعن وما يخل بتعظيم في المسألتين لكن المشهور في مسألة تفضيل الأئمة أن القول بخلاف ما استقر عليه رأي أهل السنة ابتداع ومن أنصف قال بما في الكشف فهذر الزمخشري على من خالفه محض جهالة إذا لم يكن بتلك الغاية فكيف وهو قد بلغ فيه من السفاهة غايتها ومن البذاذة نهايتها وسيرى جزاء ذلك.
يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ شروع في بيان تفاوت أحوال بني آدم في الآخرة بعد بيان حالهم في الدنيا، ويَوْمَ مفعول به لفعل محذوف أي اذكر يوم ندعو إلخ.
وجوز ابن عطية وغيره أن يكون ظرفا لفعل يدل عليه لا يُظْلَمُونَ ولم يجعل ظرفا له بناء على أن الفاء لا يعمل ما بعدها فيما قبلها ولو ظرفا، وجوز أيضا أن يكون مبتدأ وهو مبني لإضافته إلى غير متمكن والخبر جملة فَمَنْ أُوتِيَ إلخ ويقدر للربط فيها فيه وفيه أن المنقسم إلى متمكن وغير متمكن هو الاسم لا الفعل وما في حيزه هنا فعل مضارع على أن بناء أسماء الظروف المضافة إلى جملة هو أحد ركنيها بناء على مذهب الكوفيين والبصريين لا يجوزون ذلك ومع هذا هو تخريج متكلف.
وجوز أيضا كونه ظرفا لفضلناهم قال: وتفضيل البشر على سائر الحيوانات يوم القيامة بيّن وبه قال بعض النحاة إلا أنه قال: فضلناهم بالثواب، وفيه أنه أي تفضيل للبشر ذلك اليوم والكفار منهم أخس من كل شيء إلا أن يقال:
يكفي في تفضيل الجنس تفضيل بعض أفراده ألا ترى صحة الرجال أفضل من النساء مع أن من النساء من هي أفضل من بعض الرجال بمراتب، وأيضا إذا أريد التفضيل بالثواب لا يصح إخراج الملائكة لأن جنس البشر يثابون والملائكة عليهم السلام لا يثابون كما هو مقرر في محله، ثم إنهم يشاركهم في الثواب الجن لأن مؤمنيهم يثابون كما يثاب البشر عند بعض، وقيل إن ثوابهم دون ثوابهم لأنهم لا يرون الله تعالى في الجنة عند من قال: إن الله تعالى يرى فيها فالبشر مفضلون عليهم في الثواب من هذه الجهة، وقيل ظرف يَقْرَؤُنَ أو ما دل عليه، وفيه أنهم لا يقرؤون كتابهم وقت الدعوة. وأجيب بأن المراد بيوم يدعون وقت طويل وهو اليوم الآخر الذي يكون فيه ما يكون ويبقى في جعله ظرفا للمذكور حديث الفاء.
وقال الفراء: هو ظرف لنعيدكم محذوفا، وقيل ظرف ليستجيبون، وقيل هو بدل من يَوْمَ يَدْعُوكُمْ وقيل العامل فيه ما دل عليه قوله سبحانه مَتى هُوَ [الإسراء: 51] وهي أقوال في غاية الضعف، وأقرب الأقوال وأقواها ما ذكرناه أولا.
والإمام المقتدى به والمتبع عاقلا كان أو غيره، والجار والمجرور متعلق بندعو أي ندعو كل أناس من بني آدم

الصفحة 114