كتاب تفسير الألوسي = روح المعاني (اسم الجزء: 8)

تقريرا له من النظر وعدم الجدوى، هذا واستدل صاحب الكشاف بإعجاز القرآن على حدوثه إذ لو كان قديما لم يكن مقدورا فلا يكون معجزا كالمحال، وتعقبه في الكشف بأنه لا نزاع في حدوث النظم وإن تحاشى أهل السنة من إطلاق المخلوق عليه للإيهام وهو المعجز إنما النزاع في المعبر بهذه العبارة المعجزة وهو المسمى بالكلام النفسي فهو استدلال لا ينفعه وذكر نحوه ابن المنير.
وقال صاحب التقريب: الجواب منع الملازمة إذ مصحح المقدورية الإمكان وهو حاصل لا الحدوث وأيضا المعجز لفظه ولا يقال بقدمه والقديم كلام النفس ولا يقال بإعجازه وأيضا سلمنا أن القديم لا يقدر البشر على عينه لكن لم لا يقدر على مثله، واختار العلامة الطيبي هذا الأخير في الجواب، وقد ذكرنا في المقدمات من الكلام ما ينفعك في هذا المقام فتدبر والله تعالى ولي الأنعام ومسدد الأفهام.
وَلَقَدْ صَرَّفْنا كررنا ورددنا على أساليب مختلفة توجب زيادة تقرير ورسوخ لِلنَّاسِ أهل مكة وغيرهم كما هو الظاهر فِي هذَا الْقُرْآنِ المنعوت بما ذكر من النعوت الفاضلة مِنْ كُلِّ مَثَلٍ من كل معنى بديع هو في الحسن والغرابة واستجلاب النفوس كالمثل ومفعول صَرَّفْنا على ما استظهره أبو حيان محذوف أي البيان وقدره البينات والعبر ومن لابتداء الغاية وجوز ابن عطية أن تكون سيف خطيب فكل هو المفعول وهذا مبني على مذهب الكوفيين والأخفش لأنهم يجوزون زيادة من في الإيجاب دون جمهور البصريين.
وقرأ الحسن «صرفنا» بتخفيف الراء وقراءة الجمهور أبلغ، وأيّا ما كان فالمراد فعلنا ذلك للناس ليذعنوا ويتلقوه بالقبول فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً أي جحودا وفسر به لثبوت الصدق بأصل الإعجاز، والمراد بالناس المذكورون أولا وأوثر الإظهار على الإضمار تأكيدا وتوضيحا، والمراد بالأكثر قيل: من كان في عهده صلّى الله عليه وسلّم من المشركين وأهل الكتاب.
واستظهر في البحر أنهم أهل مكة بدليل أن الضمائر الآتية لهم ونصب كُفُوراً على أنه مفعول أبى والاستثناء مفرغ وصح ذلك هنا مع أنه مشروط بتقدم النفي فلا يصح ضربت إلا زيدا لأن أبى قريب من معنى النفي فهو مؤول به فكأنه قيل ما قبل أكثرهم إلا كفورا وفيه من المبالغة ما ليس في أبوا الإيمان لأن فيه زيادة على أنهم لم يرضوا بخصلة سوى الكفر من الإيمان والتوقف في الأمر ونحو ذلك وأنهم بالغوا في عدم الرضا حتى بلغوا مرتبة الإباء، وإنما لم يجز ذلك في الإثبات لفساد المعنى إذ لا قرينة على تقدير أمر خاص والعموم لا يصح إذ لا يمكن في المثال أن تضرب كل أحد إلا زيدا فإن صح العموم في مثال جاز التفريغ في غير تأويل بنفي فيجوز صليت إلا يوم كذا إذ يجوز أن تصلي كل يوم غيره، وجوز أن تكون الآية من هذا القبيل بأن يكون المراد أبوا كل شيء فيما اقترحوه إلا كفورا وَقالُوا عند ظهور عجزهم ووضوح مغلوبيتهم بالإعجاز التنزيلي وغيره من المعجزات الباهرة متعللين بما لا تقتضي الحكمة وقوعه من الأمور ولا توقف لثبوت المدعى عليه وبعضه من المحالات العقلية لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ بالتخفيف من باب نصر المتعدي وبذلك قرأ الكوفيون أي تفتح، وقرأ باقي السبعة «تفجر» من فجر مشددا والتضعيف للتكثير لا للتعدية.
وقرأ الأعمش وعبد الله بن مسلم بن يسار «تفجر» من أفجر رباعيا وهي لغة في فجر لَنا مِنَ الْأَرْضِ أي أرض مكة لقلة مياهها فالتعريف عهدي يَنْبُوعاً مفعول من نبع الماء كيعبوب من عب الماء إذا زخر وكثر موجه فالياء زائدة للمبالغة، والمراد عينا لا ينضب ماؤها، وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي أن الينبوع هو النهر الذي يجري من العين، والأول مروي عن مجاهد وكفى به أَوْ تَكُونَ لَكَ خاصة جَنَّةٌ بستان تستر أشجارها ما تحتها من العرصة

الصفحة 159