كتاب تفسير الألوسي = روح المعاني (اسم الجزء: 8)

مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ خصوهما بالذكر لأنهما كانا الغالب في هاتيك النواحي مع جلالة قدرهما فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ أي تجريها خِلالَها نصب على الظرفية أي وسط تلك الجنة وأثنائها تَفْجِيراً كثيرا والمراد إما إجراء الأنهار خلالها عند سقيها أو إدامة إجرائها كما ينبىء الفاء أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ الجرم المعلوم كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً جمع كسفة كقطعة وقطع لفظا ومعنى وهو حال من السماء والكاف في كَما في محل النصب على أنه صفة مصدر محذوف أي إسقاطا مماثلا لما زعمت يعنون بذلك قوله تعالى: أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ [سبأ: 9] وزعم بعضهم أنهم يعنون ما في هذه السورة من قوله تعالى: أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً وليس بشيء، وقيل: إن المعنى كما زعمت أن ربك إن شاء فعل وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى في خبر ابن عباس، وقرأ مجاهد «يسقط السماء» بياء الغيبة ورفع «السماء» وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب «كشفا» بسكون السين في جميع القرآن إلا في الروم وابن عامر إلا في هذه السورة ونافع وأبو بكر في غيرهما، وحفص فيما عدا الطور في قوله. وفي النشر أنهم اتفقوا على إسكان السين في الطور وهو إما مخفف من المفتوح لأن السكون من الحركة مطلقا كسدر وسدر أو هو فعل صفة بمعنى مفعول كالطحن بمعنى المطحون أي شيئا مكسوفا أي مقطوعا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا أي مقابلا كالعشير والمعاشر وأرادوا كما أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس عيانا وهذا كقولهم «لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا» وفي رواية أخرى عن الحبر والضحاك تفسير القبيل بالكفيل أي كفيلا بما تدعيه يعنون شاهدا يشهد لك بصحة ما قلته وضامنا يضمن ما يترتب عليه وهو على الوجهين حال من الجلالة وحال الملائكة محذوفة لدلالة الحال المذكورة عليها أي قبلاء كما حذف الخبر في قوله:
ومن يك أمسى في المدينة رحله ... فإني وقيار بها لغريب
وذكر الطبرسي عن الزجاج أنه فسر قبيلا بمقابلة ومعاينة، وقال إن العرب تجريه في هذا المعنى مجرى المصدر فلا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث فلا تغفل، وعن مجاهد القبيل الجماعة كالقبيلة فيكون حالا من الملائكة، وفي الكشف جعله حالا من الملائكة لقرب اللفظ وسداد المعنى لأن المعنى تأتي بالله تعالى وجماعة من الملائكة لا تأتي بهما جماعة ليكون حالا على الجمع إذ لا يراد معنى المعية معه تعالى ألا ترى إلى قوله سبحانه حكاية عنهم «أو نرى ربنا» والقرآن يفسر بعضه بعضا انتهى، وقرأ الأعرج «قبلا» من المقابلة وهذا يؤيد التفسير الأول.
أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ من ذهب كما روي عن ابن عباس وقتادة وغيرهما، وأصله الزينة وإطلاقه على الذهب لأن الزينة به أرغب وأعجب، وقرأ عبد الله «من ذهب» وجعل ذلك في البحر تفسيرا لا قراءة لمخالفته سواد المصحف أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ أي تصعد في معارجها فحذف المضاف يقال رقي في السلم والدرجة والظاهر أن السماء هنا المظلة، وقيل: المراد المكان العالي وكل ما ارتفع وعلا يسمى سماء قال الشاعر:
وقد يسمى سماء كل مرتفع ... وإنما الفضل حيث الشمس والقمر
وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ أي لأجل رقيك فيها وحده أو لن نصدق رقيك فيها حَتَّى تُنَزِّلَ منها عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ بلغتنا على أسلوب كلامنا وفيه تصديقك قُلْ تعجبا من شدة شكيمتهم وفرط حماقتهم سُبْحانَ رَبِّي أو قل ذلك تنزيها لساحة الجلال عما لا يكاد يليق بها من مثل هذه الاقتراحات التي تضمنت ما هو من أعظم المستحيلات كإتيان الله تعالى على الوجه الذي اقترحوه أو عن طلب ذلك، وفيه تنبيه على بطلان ما قالوه.
وقرأ ابن كثير وابن عامر «قال سبحان ربي» أي قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا كسائر الرسل

الصفحة 160