كتاب تفسير الألوسي = روح المعاني (اسم الجزء: 8)

مشاركا لهم فيما جبلوا عليه ويلحق بهم وهو أشبه شيء بإخراجه عن الطبيعة البشرية بالمرة فيكون العدول عن إرسال ملك إلى إرساله أشبه شيء بالعبث المنافي للحكمة اه فتدبر.
فلعل الله سبحانه يمن عليك بما يروي الغليل وتأمل في جميع ما تقدم فلعلك توفق بعون الله تعالى إلى الجرح والتعديل قُلْ لهم ثانيا من جهتك بعد ما قلت لهم من قبلنا ما قلت وبينت لهم ما تقتضيه الحكمة في البعثة ولم يرفعوا إليه رأسا كَفى بِاللَّهِ عز وجل وحده شَهِيداً على أني قد أديت ما علي من مواجب الرسالة أكمل أداء وإنكم فعلتم ما فعلتم من التكذيب والعناد، وقيل شهيدا على أني رسول الله تعالى إليكم بإظهار المعجزة على وفق دعواي، ورجح الأول بأنه أوفق بقوله تعالى: بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وكذا بقوله سبحانه تعليلا للكفاية إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ أي الرسل والمرسل إليهم خَبِيراً بَصِيراً أي محيطا بظواهرهم وبواطنهم فيجازيهم على ذلك، وزعم الخفاجي أن الثاني أوفق بالسباق منه إذ يكون الكلام عليه كالسابق ردا لإنكارهم أن يكون الرسول بشرا وإلى ذلك ذهب الإمام وأن كون الأول أوفق بقوله تعالى إِنَّهُ كانَ إلخ لا وجه له لأن معناه التهديد والوعيد بأنه سبحانه يعلم ظواهرهم وبواطنهم وأنهم إنما ذكروا هذه الشبهة للحسد وحب الرياسة والاستنكاف عن الحق وفيه من التسلية لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم ما فيه، وأنت تعلم أن إنكار كون الأول أوفق بذلك مما لا وجه له لظهور خلافه، ولا ينافيه تضمن الجملة الوعيد والتسلية، وأيضا يبقى أمر أوفقيته بيني وبينكم في البين ومع ذلك في تصدير الكلام بقل نوع تأييد لإرادة الأول كما لا يخفى على الذكي، هذا وإنما لم يقل سبحانه بيننا تحقيقا للمفارقة وإبانة للمباينة، ونصب شَهِيداً أما على الحال أو على التمييز وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ كلام مبتدأ غير داخل في حيز قُلْ يفصل ما أشار إليه الكلام السابق من مجازاة العباد لما أن علمه تعالى في مثل هذا الموضع مستعمل بمعنى المجازاة أي من يهد الله تعالى إلى الحق فَهُوَ الْمُهْتَدِ إليه وإلى ما يؤدي إليه من الثواب أو المهتدي إلى كل مطلوب والأكثرون حذفوا ياء المهتدي وَمَنْ يُضْلِلْ يخلق فيه الضلال لسوء اختياره وقبح استعداده كهؤلاء المعاندين فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ أي أنصارا مِنْ دُونِهِ عز وجل يهدونهم إلى طريق الحق أو إلى طريق يوصلهم إلى مطالبهم الدنيوية والأخروية أو إلى طريق النجاة من العذاب الذي يستدعيه ضلالهم على معنى لن تجد لأحد منهم وليا على ما يقتضيه قضية مقابلة الجمع بالجمع من انقسام الآحاد على الآحاد على ما هو المشهور وقيل قال سبحانه: أَوْلِياءَ مبالغة لأن الأولياء إذا لم تنفعهم فكيف الولي الواحد، وضمير لَهُمْ عائد على من باعتبار معناه كما أن (هو) عائد عليه باعتبار لفظه فلذا أفرد الضمير تارة وجمع أخرى.
وفي إيثار الإفراد والجمع فيما أوثرا فيه تلويح بوحدة طريق الحق وقلة سالكيه وتعدد سبل الضلال وكثرة الضلال، وذكر أبو حيان وتبعه بعضهم أن الجملة الثانية من المواضع التي جاء فيها الحمل على المعنى ابتداء من غير أن يتقدمه الحمل على اللفظ وهي قليلة في القرآن. وتعقب ذلك الخفاجي بأنه لا وجه له فإنه حمل فيها الضمير على اللفظ أولا إذ في قوله تعالى يُضْلِلْ ضمير محذوف مفردا ذو تقديره يضلله على الأصل وهو راجع إلى لفظ من فلا يقال إنه لم يتقدمه حمل على اللفظ ثم قال: وأغرب من ذلك ما قيل إنه قد يقال إن الحمل على اللفظ قد تقدمه في قوله سبحانه مَنْ يَهْدِ اللَّهُ وإن كان في جملة أخرى اه. وفيه أن وجهه جعل أبي حيان من مفعول يُضْلِلْ كما نص عليه في البحر وكذا نص على أنها في الجملة الأولى مفعول «يهد» وحينئذ ليس هناك ضمير مفرد محذوف كما لا يخفى فتفطن، وجوز كون الجملتين داخلتين في حيز قُلْ لمجيء ومن بالواو، وقوله تعالى: وَنَحْشُرُهُمْ أوفق بالأول وفيه التفات من الغيبة إلى التكلم للإيذان لكمال الاعتناء بأمر الحشر، وعلى الاحتمال الثاني يجعل حكاية

الصفحة 165