كتاب تفسير الألوسي = روح المعاني (اسم الجزء: 8)

يجب اتصاف الجسم بها فإن الله تعالى شأنه يخلقها في الجسم حالا فحالا فمتى لم يخلقها سبحانه فيه انعدم. وقال النظام: إنه خلق الله تعالى الجوهر حالا فحالا فإن الجواهر عنده لا بقاء لها بل هي متجددة بتجدد الأعراض فإذا لم يوالي عز مجده على الجوهر خلقه فني، وأنت تعلم أن أكثر هذه الأقاويل من قبيل الأباطيل سيما القول بأن الفناء أمر محقق في الخارج ضد للبقاء قائم بنفسه أو بالجوهر وكون البقاء موجودا لا في محل، ولعل وجه البطلان غني عن البيان. واحتجوا لهذا المذهب بقوله سبحانه كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص: 88] وقوله تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ [الرحمن: 26] وأجابوا عن الآية بأن الكفار اكتفوا بأقل اللازم وأرادوا المبالغة في الإنكار لأنه إذا لم يمكن بزعمهم الحشر بعد كونهم عظاما ورفاتا فعدم إمكانه بعد فنائهم بالمرة أظهر وأظهر، وفيه أن هلاك كل شيء خروجه عن صفاته المطلوبة منه والتفرق كذلك فيقال له هلاك ويسمى أيضا فناء عرفا فالاحتجاج بالآيتين غير تام وإن ما قالوه في الجواب عن الآية خلاف الظاهر. ولا يرد عليهم أن إعادة المعدوم محال لما ذكره الفلاسفة من الأدلة لما ذكره المسلمون في إبطالها، ومن الناس من قال: إن عجب الذنب لا يفنى وإن فني ما عداه من أجزاء البدن
لحديث الصحيحين «ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب منه خلق الخلق يوم القيامة» .
وفي رواية مسلم «كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق ومنه يركب»
وصحح المزني أنه يفنى أيضا وتأول الحديث بأن المراد منه أن كل الإنسان يبلى بالتراب ويكون سبب فنائه إلا عجب الذنب فإن الله تعالى يفنيه بلا تراب كما يميت ملك الموت بلا ملك موت، والخلق منه والتركيب يمكن أن يكون بعد إعادته فليس ما ذكر نصا في بقائه، ووافقه على ذلك ابن قتيبة، وأنت تعلم أن ظواهر الأخبار تدل على عدم فنائه مطلقا، وتوقف بعض العلماء عن الجزم بأحد المذهبين السابقين في كيفية الحشر.
وقال السعد: إنه الحق وهو اختيار إمام الحرمين وفي المواقف وشرحه للسيد السند هل يعدم الله تعالى الأجزاء البدنية ثم يعيدها أو يفرقها ويعيد فيها التأليف الحق أنه لم يثبت في ذلك شيء فلا جزم فيه نفيا ولا إثباتا لعدم الدليل على شيء من الطرفين.
وقال حجة الإسلام الغزالي في كتاب الاقتصاد: فإن قيل ما تقولون هل تعدم الجواهر والأعراض ثم يعادان جميعا أو تعدم الأعراض دون الجواهر ثم تعاد الأعراض فقط؟ قلنا كل ذلك ممكن، والحق أنه ليس في الشرع دليل قاطع على تعيين أحد الأمرين الممكنين.
وقال بعضهم: الحق وقوع الأمرين جميعا إعادة ما انعدم بعينه وإعادة ما تفرق بإعراضه وهو حسن، والكلام في هذا المقام طويل جدا ولعل الله سبحانه وتعالى يمن علينا باستيفائه ولو في مواضع متعددة.
وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا وهو ميقات إعادتهم وحشرهم أو موتهم وهو على هذا اسم جنس لأن لكل أحد أجلا للموت يخصه، وقد جاء إطلاق الأجل على الموت ووجهه أنه يطلق على مدة الحياة وعلى آخرها والموت مجاور لذلك لا رَيْبَ فِيهِ أي لا ينبغي الريب فيه والإنكار لمن تدبره أو النفي على ظاهره، والجملة معطوفة على أَوَلَمْ يَرَوْا وهي وإن كانت إنشائية وفي عطف الإخبارية عليها مقال مؤولة بخبرية والعطف على الصلة فيما مر متعذر للفصل بخبر أن.
وكذا على ما بعد أن المصدرية لفظا ومعنى والمعنى كما في الكشف وغيره قد علموا بدليل العقل أن الله تعالى قادر على إعادتهم وقد جعل أجلا لها لا ريب فيه فلا بد منها أي إذا كان ذلك ممكنا في نفسه واجب الوقوع بخبر الصادق لا يبقى للإنكار معنى فإن كان الأجل بمعنى ميقات إعادتهم أي يوم القيامة لقولهم أَإِذا كُنَّا عِظاماً

الصفحة 169