كتاب تفسير الألوسي = روح المعاني (اسم الجزء: 8)

لا نعرف له علة وخلق آخرون عن صفوان بن عسال «أن يهوديين قال. أحدهما لصاحبه: انطلق بنا إلى هذا النبي نسأله فأتياه صلّى الله عليه وسلّم فسألاه عن قول الله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فقال عليه الصلاة والسلام: لا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله تعالى إلا بالحق ولا تسرقوا ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا ولا تمشوا ببريء إلى سلطان ليقتله ولا تقذفوا محصنة ولا تفروا من الزحف» .
وفي رواية «أو قال لا تفروا من الزحف- شك شعبة- وعليكم يا يهود خاصة أن لا تعتدوا في السبت فقبلا يديه ورجليه وقالا نشهد إنك نبي» الخبر
، ومن هنا قيل المراد بالآيات الأحكام، وقال الشهاب الخفاجي: إنه التفسير الصحيح، ووجه إطلاقها عليها بأنها علامات على السعادة لمن امتثلها والشقاوة لغيره، وقيل أطلقت عليها لأنها نزلت في ضمن آيات بمعنى عبارات دالة على المعاني نحو آيات الكتاب فيكون من قبيل إطلاق الدال وإرادة المدلول، وقيل لا ضير أن يراد على ذلك بالآيات العبارات الإلهية الدالة على تلك الأحكام من حيث إنها دالة عليها، وفيه وكذا في سابقة القول بإطلاق الآيات على ما أنزل على غير نبينا صلّى الله عليه وسلّم من العبارات الإلهية كإطلاقها على ما أنزل عليه عليه الصلاة والسلام منها. واستشكل بأن الآيات في الرواية التي لا شك فيها عشرة وما في الآية المسئول عنها تسع، وأجيب بأن الأخير فيها أعني لا تعتدوا في السبت ليس من الآيات لأن المراد بها أحكام عامة ثابتة في الشرائع كلها وهو ليس كذلك ولذا غير الأسلوب فيه فهو تذييل للكلام وتتميم له بالزيادة على ما سألوه صلّى الله عليه وسلّم، وفي الكشف أنه من الأسلوب الحكيم لأنه عليه الصلاة والسلام لما ذكر التسع العامة في كل شريعة ذكر خاصا بهم ليدل على إحاطة علمه صلّى الله عليه وسلّم بالكل وهو حسن وليس الأسلوب الحكيم فيه بالمعنى المشهور فإطلاق القول بأنه ليس من الأسلوب الحكيم كما فعل الخفاجي ليس في محله.
وقال بعض الأجلة: إن هذه الأشياء لا تعلق لها بفرعون وإنما أوتيها بنو إسرائيل ولعل جوابه صلّى الله عليه وسلّم بما ذكر لما أنه المهم للسائل وقبوله لما أنه كان في التوراة مسطورا وقد علم أنه ما علمه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا من جهة الوحي اه.
وتعقب بأنا لا نسلم أنه يجب في الآيات المذكورة في الآية أن تكون مما له تعلق بفرعون وما بعد ليس نصا في ذلك نعم هو كالظاهر فيه لكن كثيرا ما تترك الظواهر للأخبار الصحيحة سلمنا أنه يجب أن يكون لها تعلق لكن لا نسلم أن تلك الأحكام لا تعلق لها لجواز أن يكون كلها أو بعضها مما خوطب به فرعون وبنو إسرائيل جميعا لا بد لنفي ذلك من دليل، وكأن حاصل ما أراد من قوله لعل جوابه صلّى الله عليه وسلّم إلخ أن ذلك الجواب من الأسلوب الحكيم بأن يكون موسى عليه السلام قد أوتي تسع آيات بينات بمعنى المعجزات الواضحات وهي المرادة في الآية وأوتي تسعا أخرى بمعنى الأحكام وهي غير مرادة إلا أن الجواب وقع عنها لما ذكر وهو كما ترى فتأمل.
فمؤيدات كل من التفسيرين أعني تفسير الآيات بالأدلة والمعجزات وتفسيرها بالأحكام متعارضة وأقوى ما يؤيد الثاني الخبر فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ وقرأ جمع «فسل» والظاهر أنه خطاب لنبينا صلّى الله عليه وسلّم والسؤال بمعناه المشهور إلا أن الجمهور على أنه خطاب لموسى عليه السلام، والسؤال إما بمعنى الطلب أو بمعناه المشهور لقراءة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأخرجها أحمد في الزهد وابن المنذر وابن جرير وغيرهم عن ابن عباس فسأل على صيغة الماضي بغير همز كقال وهي لغة قريش فإنهم يبدلون الهمزة المتحركة وذلك لأن هذه القراءة دلت على أن السائل موسى عليه السلام وأنه مستعقب عن الإيتاء فلا يجوز أن يكون فاسأل خطابا للنبي صلّى الله عليه وسلّم لئلا تتخالف القراءتان ولا بد إذ ذاك من إضمار لئلا يختلفا خبرا وطلبا أي فقلنا له اطلبهم من فرعون وقل له أرسل معي بني إسرائيل أو اطلب منهم أن يعاضدوك وتكون قلوبهم وأيديهم

الصفحة 173