كتاب تفسير الألوسي = روح المعاني (اسم الجزء: 8)

معك أو سلهم عن إيمانهم وعن حال دينهم واستفهم منهم هل هم ثابتون عليه أو اتبعوا فرعون ويتعلق بالقول بالمضمر قوله تعالى: إِذْ جاءَهُمْ وهو متعلق بسأل على قراءته صلّى الله عليه وسلّم والدليل على ذلك المضمر في اللفظ قوله تعالى: فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ لأنه لو كان فاسأل خطابا لنبينا عليه الصلاة والسلام لانفك النظم وأيضا لا يظهر استعقابه ولا تسببه عن إيتاء موسى عليه السلام نعم جعل الذاهبون إلى الأول فاسأل اعتراضا من باب زيد فاعلم فقيه والفاء تكون للاعتراض كالواو وعلى ذلك قوله:
واعلم فعلم المرء ينفعه ... أن سوف يأتي كل ما قدرا
وهذا الوجه مستغن عن الإضمار وإِذْ جاءَهُمْ متعلق عليه بآتينا ظرفا ولا يصح تعلقه بسل إذ ليس سؤاله صلّى الله عليه وسلّم في وقت مجيء موسى عليه السلام، قال في الكشف: والمعنى فاسأل يا محمد مؤمني أهل الكتاب عن ذلك إما لأن تظاهر الأدلة أقوى، وإما من باب التهييج والإلهاب، وإما للدلالة على أنه أمر محقق عندهم ثابت في كتابهم وليس المقصود حقيقة السؤال بل كونهم أعني المسئولين من أهل علمه ولهذا يؤمر مثلك بسؤالهم وهذا هو الوجه الذي يحمل به موقع الاعتراض، وجوز أن يكون منصوبا باذكر مضمرا على أنه مفعول به وجاز على هذا أن لا يجعل فَسْئَلْ اعتراضا ويجعل اذكر بدلا عن اسأل لما سمعت من أن السؤال ليس على حقيقته وكذا جوز أن يكون منصوبا كذلك بيخبروك مضمرا وقع جواب الأمر أي سلهم يخبروك إذ جاءهم.
ولا يجوز على هذا الاعتراض، نعم يجوز الاعتراض على هذا بأن أخبر يتعدى بالباء أو عن لا بنفسه فيجب أن يقدر بدل الإخبار الذكر ونحوه مما يتعدى بنفسه وإما جعله ظرفا له غير صحيح إذ الإخبار غير واقع في وقت المجيء، واعترض أيضا بأن السؤال عن الآيات والجواب بالإخبار عن وقت المجيء أو ذكره لا يلائمه.
ويمكن الجواب بأن المراد يخبروك بذلك الواقع وقت مجيئه لهم أو يذكروا ذلك لك وهو كما ترى، وبعضهم جوز تعلقه بيخبروك على أن إذ للتعليل، وعلى هذا يجوز تعلقه باذكر، والمعنى على سائر احتمالات كون الخطاب لنبينا عليه الصلاة والسلام إذ جاء آباءهم إذ بنو إسرائيل حينئذ هم الموجودون في زمانه صلّى الله عليه وسلّم وموسى عليه السلام ما جاءهم فالكلام إما على حذف مضاف أو على ارتكاب نوع من الاستخدام، والاحتمالات على تقدير جعل الخطاب لمن يسمع هي الاحتمالات التي سمعت على تقدير جعله لسيد السامعين عليه الصلاة والسلام.
والفاء في فَقالَ على سائر الاحتمالات والأوجه فصيحة والمعنى إذ جاءهم فذهب إلى فرعون وادعى النبوة وأظهر المعجزة وكيت وكيت فقال: إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً سحرت فاختل عقلك ولذلك اختل كلامك وادعيت ما ادعيت وهو كقوله: إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ [الشعراء: 27] .
وقال الفراء والطبري: مسحورا بمعنى ساحرا على النسب أو حقيقة وهو يناسب قلب العصا ونحوه على تفسير الآيات بالمعجزات قالَ موسى عليه السلام ردا لقوله المذكور لَقَدْ عَلِمْتَ يا فرعون ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ أي الآيات التسع أو بعضها والإشارة إلى ذلك بما ذكر على حد قوله على إحدى الروايتين والعيش بعد أولئك الأيام. وقد مر إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي خالقهما ومدبرهما، وحاصل الرد أن علمك بأن هاتيك الآيات من الله تعالى إذ لا يقدر عليها سواه تعالى يقتضي أني لست بمسحور ولا ساحر وأن كلامي غير مختل لكن حب الرياسة حملك على العناد في التعرض لعنوان الربوبية إيماء إلى ان إنزالها من آثار ذلك، وفي البحر ما أحسن إسناد إنزالها إلى رب السموات والأرض إذ هو عليه السلام لما سأله فرعون في أول محاورته فقال له: وما رب العالمين؟ قال: رب السموات والأرض تنبيها على نقصه وأنه لا تصرف له في الوجود فدعواه الربوبية دعوى مستحيل فبكته وأعلمه أنه يعلم آيات الله تعالى

الصفحة 174