كتاب تفسير الألوسي = روح المعاني (اسم الجزء: 8)

ذكره الإمام مالك فيه ما فيه، نعم قيل: إن تفسيره بهالكا ونحوه مما فيه خشونة ينافي قوله تعالى خطابا لموسى وهارون عليهما السلام: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً [طه: 44] وأشار أبو حيان إلى جوابه بأن موسى عليه السلام كان أولا يتوقع من فرعون المكروه كما قال: إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى [طه: 45] فأمر أن يقول له قولا لينا فلما قال سبحانه له: لا تَخَفْ [طه: 21، 68 وغيرها] وثق بحماية الله تعالى فصال عليه صولة المحمي وقابله من الكلام بما لم يكن ليقابله به قبل ذلك، وفيه كلام ستطلع عليه إن شاء الله تعالى في محله، وبالجملة التفسير الأول أظهر التفاسير ولا ضير فيه لا سيما مع تعبير موسى عليه السلام بالظن ثم إنه عليه السلام قد قارع ظنه بظنه وشتان ما بين الظنين فإن ظن فرعون إفك مبين وظن موسى عليه السلام يحوم حول اليقين.
وقرأ أبي، وابن كعب «وإن أخالك يا فرعون لمثبورا» على إن المخففة واللام الفارقة، وأخال بمعنى أظن بكسر الهمزة في الفصيح وقد تفتح في لغة كما في القاموس.
فَأَرادَ فرعون أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ أي موسى وقومه، وأصل الاستفزاز الإزعاج وكنى به عن إخراجهم مِنَ الْأَرْضِ أي أرض مصر التي هم فيها أو من جميع الأرض ويلزم إخراجهم من ذلك قتلهم واستئصالهم وهو المراد فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً أي فعكسنا عليه مكره حيث أراد ذلك لهم دونه فكان له دونهم فاستفز بالإغراق هو وقومه وهذا التعكيس أظهر من الشمس على الثاني وظاهر على الأول لأنه أراد إخراجهم من مصر فأخرج هو أشد الإخراج بالإهلاك والزيادة لا تضر في التعكيس بل تؤيده.
وَقُلْنا على لسان موسى عليه السلام مِنْ بَعْدِهِ أي من بعد فرعون على معنى من بعد إغراقه أو الضمير للإغراق المفهوم من الفعل السابق أي من بعد إغراقه وإغراق من معه لِبَنِي إِسْرائِيلَ الذين أراد فرعون استفزازهم اسْكُنُوا الْأَرْضَ التي أراد أن يستفزكم منها وهي أرض مصر، وهذا ظاهر أن ثبت أنهم دخلوها بعد أن خرجوا منها واتبعهم فرعون وجنوده وأغرقوا وإن لم يثبت فالمراد من بني إسرائيل ذرية أولئك الذين أراد فرعون استفزازهم، واختار غير واحد أن المراد من الأرض الأرض المقدسة وهي أرض الشام فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ أي الكرة أو الحياة أو الساعة أو الدار الآخرة، والمراد على جميع ذلك قيام الساعة جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً أي مختلطين أنتم وهم ثم نحكم بينكم ونميز سعداء كم من أشقيائكم وأصل اللفيف الجماعة من قبائل شتى فهو اسم جمع كالجميع ولا واحد له أو هو مصدر شامل للقليل والكثير لأنه يقال لف لفا ولفيفا، والمراد منه ما أشير إليه، وفسره ابن عباس بجميعا وكيفما كان فهو حال من الضمير المجرور في بكم، ونص بعضهم على أن في بِكُمْ تغليب المخاطبين على الغائبين، والمراد بهم وبكم وما ألطفه مع لَفِيفاً وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ عود إلى شرح حال القرآن الكريم فهو مرتبط بقوله تعالى لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ [الإسراء: 88] الآية وهكذا طريقة العرب في كلامها تأخذ في شيء وتستطرد منه إلى آخر ثم إلى آخر ثم تعود إلى ما ذكرته أولا والحديث شجون فضمير الغائب للقرآن وأبعد من ذهب إلى أنه لموسى عليه السلام، والآية مرتبطة بما عندها، والإنزال فيها كما في قوله تعالى: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ [الحديد:
25] وقد حمله بعضهم على هذا المعنى فيما قبل أو للآيات التسع وذكر على المعنى أو للوعد المذكور آنفا، والظاهر أن الباء في الموضعين للملابسة والجار والمجرور في موضع الحال من ضمير القرآن واحتمال أن يكون أولا حالا من ضميره تعالى خلاف الظاهر، والمراد بالحق الأول على ما قيل الحكمة الإلهية المقتضية لإنزاله وبالثاني ما اشتمل عليه من العقائد والأحكام ونحوها أي ما أنزلناه إلا ملتبسا بالحق المقتضي لإنزاله وما نزل إلا ملتبسا بالحق الذي اشتمل عليه، وقيل الباء الأولى للسببية متعلقة بالفعل بعد والثانية للملابسة، وقيل هما للسببية فيتعلقان بالفعل وقال أبو سليمان

الصفحة 176