كتاب تفسير الألوسي = روح المعاني (اسم الجزء: 8)

وأخرج ابن الضريس من طريق قتادة عن الحسن كان يقول: أنزل الله القرآن على نبي الله صلّى الله عليه وسلّم في ثماني عشرة سنة ثمان سنين بمكة وعشر بعد ما هاجر.
وتعقبه ابن عطية بأنه قول مختل لا يصح عن الحسن، واعتمد جمع أن بين أوله وآخره ثلاثا وعشرين سنة وكان ينزل به جبريل عليه السلام على ما قيل خمس آيات خمس آيات، فقد أخرج البيهقي في الشعب عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: تعلموا القرآن خمس آيات خمس آيات فإن جبريل عليه السلام كان ينزل به خمسا خمسا. وأخرج ابن عساكر من طريق أبي نضرة قال: كان أبو سعيد الخدري يعلمنا القرآن خمس آيات بالغداة وخمس آيات بالعشي ويخبر أن جبريل عليه السلام نزل به خمس آيات خمس آيات، وكان المراد في الغالب فإنه قد صح أنه نزل بأكثر من ذلك وبأقل منه.
وقرأ أبي وعبد الله «فرقناه عليك» لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ أي تؤدة وتأنّ فإنه أيسر للحفظ وأعون على الفهم وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقيل أي تطاول في المدة وتقضيها شيئا فشيئا، والظاهر تعلق لتقرأه بفرقناه وعلى الناس بتقرأه وعلى مكث به أيضا إلا أن فيه تعلق حرفي جر بمعنى بمتعلق واحد. وأجيب بأن تعلق الثاني بعد اعتبار تعلق الأول به فيختلف المتعلق، وفي البحر لا يبالى بتعلق هذين الحرفين بما ذكر لاختلاف معناهما لأن الأول في موضع المفعول به والثاني في موضع الحال أي متمهلا مترسلا، ولما في ذلك من القيل والقال اختار بعضهم تعلقه بفرقناه، وجوز الخفاجي تعلقه بمحذوف أي تفريقا أو فرقا على مكث أو قراءة على مكث منك كمكث تنزيله، وجعله أبو البقاء في موضع الحال من الضمير المنصوب في فرقناه أي متمكثا، ومن العجيب قول الحوفي أنه بدل من عَلَى النَّاسِ وقد تعقبه أبو حيان بأنه لا يصح لأن عَلى مُكْثٍ من صفات القارئ أو من صفات المقروء وليس من صفات الناس ليكون بدلا منهم، والمكث مثلث الميم وقرىء بالضم والفتح ولم يقرأ بالكسر وهو لغة قليلة، وزعم ابن عطية إجماع القراء على الضم.
وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا على حسب الحوادث والمصالح فذكر هذا بعد قوله تعالى: فَرَقْناهُ إلخ مفيد وذلك لأن الأول دال على تدريج نزوله ليسهل حفظه وفهمه من غير نظر إلى مقتض لذلك وهذا أخص منه فإنه دال على تدريجه بحسب الاقتضاء قُلْ للذين كفروا آمِنُوا بِهِ أي بالقرآن أَوْ لا تُؤْمِنُوا أي به على معنى أن إيمانكم به وعدم إيمانكم به سواء لأن إيمانكم لا يزيده كمالا وعدم إيمانكم لا يورثه نقصا.
إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ أي العلماء الذين قرؤوا الكتب السالفة من قبل تنزل القرآن وعرفوا حقيقة الوحي وأمارات النبوة وتمكنوا من تمييز الحق والباطل والمحق والمبطل أو رأوا نعتك ونعت ما أنزل إليك إِذا يُتْلى أي القرآن عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ الخرور السقوط بسرعة، والأذقان جمع ذقن وهو مجتمع اللحيين ويطلق على ما ينبت عليه من الشعر مجازا وكذا يطلق على الوجه تعبيرا بالجزء عن الكل قيل وهو المراد وروي عن ابن عباس فكأنه قيل يسقطون بسرعة على وجوههم سُجَّداً تعظيما لأمر الله تعالى أو شكرا لإنجاز ما وعد به في تلك الكتب من بعثتك والظاهر أن هنا خروا وسجودا على الحقيقة، وقيل: لا شيء من ذلك وإنما المقصود أنهم ينقادون لما سمعوا ويخضعون له كمال الانقياد والخضوع فأخرج الكلام على سبيل الاستعارة التمثيلية، وفسر الخرور للأذقان بالسقوط على الوجوه الزمخشري ثم قال: وإنما ذكر الذقن لأنه أول ما يلقى الساجد به الأرض من وجهه، وقيل: فيه نظر لأن الأول هو الجبهة والأنف ثم وجه بأنه إذا ابتدأ الخرور فأقرب الأشياء من وجهه إلى الأرض هو الذقن، وكأنه أريد أول ما يقرب من اللقاء، وجوز أن تبقى الأذقان على حقيقتها والمراد المبالغة في الخشوع وهو تعفير اللحى على التراب أو

الصفحة 178