كتاب تفسير الألوسي = روح المعاني (اسم الجزء: 8)

متعاميا عن ضرره أو مبالغا في العجلة يستعجل الشر والعذاب وهو آتيه لا محالة ففيه نوع تهكم به، وعلى تقدير حمل الدعاء على أعمالهم تجعل العجولية على اللج والتمادي في استيجاب العذاب بتلك الأعمال، والمعنى على الثاني أن القرآن يدعو الإنسان إلى ما هو خير وهو في بعض أحيانه كما عند الغضب يدعه ويدعو الله تعالى لنفسه وأهله وماله بما هو شر وكان الإنسان بحسب جبلته عجولا ضجرا لا يتأنى إلى أن يزول عنه ما يعتريه.
أخرج الواقدي في المغازي عن عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم دخل عليها بأسير وقال لها: احتفظي به قالت: فلهوت مع امرأة فخرج ولم أشعر فدخل النبي صلّى الله عليه وسلّم فسأل عنه فقلت: والله لا أدري وغفلت عنه فخرج فقال:
قطع الله يدك ثم خرج عليه الصلاة والسلام فصاح به فخرجوا في طلبه حتى وجدوه ثم دخل عليّ فرآني وأنا أقلب يدي فقال: ما لك؟ قلت انتظر دعوتك فرفع يديه وقال: اللهم إنما أنا بشر آسف وأغضب كما يغضب البشر فأيما مؤمن أو مؤمنة دعوتك عليه بدعوة فاجعلها له زكاة وطهرا»
أو يدعو بما هو شر ويحسبه خيرا وكان الإنسان عجولا غير مستبصر لا يتدبر في أموره حق التدبر ليتحقق ما هو خير حقيق بالدعاء به وهو شر جدير بالاستعاذة منه اه مع بعض زيادة وتغيير.
واختار إرادة الكافر من الإنسان الأول بعض المحققين وذكر في وجه ربط الآيات أنه تعالى لما شرح ما خص به نبيه صلّى الله عليه وسلّم من الإسراء وإيتاء موسى عليه السلام التوراة وما فعله بالعصاة المتمردين من تسليط البلاء عليهم كان ذلك تنبيها على أن طاعة الله تعالى توجب كل خير وكرامة ومعصيته سبحانه توجب كل بلية وغرامة لا جرم قال: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي إلخ ثم عطف عليه وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ إلخ بجامع دليل العقل والسمع أو نعمتي الدين والدنيا، وأما اتصال قوله تعالى: وَيَدْعُ الْإِنْسانُ إلخ فهو أنه سبحانه لما وصف القرآن حتى بلغ به الدرجة القصوى في الهداية أتى بذكر من أفرط في كفران هذه النعمة العظمى قائلا: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ إلخ.
ومثل هذا ما قيل إنه تعالى بعد أن وصف القرآن بما وصف ذم قريشا بعدم سؤالهم الهداية به وطلبهم إنزال الحجارة عليهم أو إيتاء العذاب الأليم إن كان حقا، وفي الكشف أن قوله تعالى: وَيَدْعُ الْإِنْسانُ إلخ بيان أن القرآن يهديهم للتي هي أقوم ويأبون إلا التي هي ألوم وهو وجه للربط مطلقا وكل ما ذكروه في ذلك متقارب. ويرد على حمل الدعاء على الدعاء بالأعمال والعجولية على اللج والتمادي في استيجاب العذاب بتلك الأعمال (¬1) خلاف المتبادر كما لا يخفى، وفسر بعضهم الإنسان الثاني بآدم عليه السلام لما أخرج ابن جرير. وابن المنذر وغيرهما عن سلمان الفارسي قال: أول ما خلق الله تعالى من آدم عليه السلام رأسه فجعل ينظر وهو يخلق وبقيت رجلاه فلما كان بعد العصر قال: يا رب أعجل قبل الليل فذلك قوله تعالى: وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا، وروي نحوه عن مجاهد وروى القرطبي والعهدة عليه أنه لما وصلت الروح لعينيه نظر إلى ثمار الجنة فلما دخلت جوفه اشتهاها فوثب عجلا إليها فسقط، ووجه ارتباط وَكانَ الْإِنْسانُ إلخ على هذا القول إفادته أن عجلته بالدعاء لغيره أو لعدم تأمله من شأنه وأنه موروث له من أصله وشنشنة يعرفها من أخزم فهو اعتراض تذييل وكلام تعليلي والأولى إرادة الجنس وإن كان ألفاظ الآية لا تنبو عن إرادة آدم عليه السلام كما زعم أبو حيان ثم إن الباء في الموضعين على ظاهرها صلة الدعاء، وقيل: إنها بمعنى في والمعنى يدعو في حالة الشر والضر كما كان يدعو في حالة الخير فالمدعو به ليس الشر والخير، وقيل: إنها للسببية أي يدعو بسبب ذلك وكلا القولين (¬2) مخالفين للظاهر لا بعول عليهما، واستدل بالآية على بعض الاحتمالات
¬__________
(¬1) قوله بتلك الأعمال خلاف إلخ كذا بخطه ولعله أنه خلاف إلخ كما هو ظاهر.
(¬2) قوله مخالفين إلخ كذا بخطه ولعله مخالفان إلخ.

الصفحة 24