كتاب تفسير الألوسي = روح المعاني (اسم الجزء: 8)

على أنه نائب الفاعل وقرأ الحسن «يخرج» بالبناء للفاعل من الخروج ورفع «كتاب» على الفاعلية، وقرأت فرقة ويخرج بالياء من الإخراج مبنيا للفاعل وهو ضمير الله تعالى وفيه التفات من التكلم إلى الغيبة.
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن هارون قال في قراءة أبي بن كعب «وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه يقرأه يوم القيامة كتابا» يَلْقاهُ أي يلقى الإنسان أو يلقاه الإنسان مَنْشُوراً غير مطوي لتمكن قراءته وفيه إشارة إلى أن ذلك أمر مهيأ له غير مغفول عنه. وجملة يَلْقاهُ صفة كتابا ومَنْشُوراً حال من ضميره، وجوز أن يكونا صفتين له، وفي تقدم الوصف بالجملة على الوصف بالمفرد وهو خلاف الظاهر، وقرأ ابن عامر وأبو جعفر والجحدري والحسن بخلاف عنه «يلقاه» بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف من لقيته كذا أي يلقى الإنسان إياه.
وأخرج ابن جرير عن الحسن أنه قال: يا ابن آدم بسطت لك صحيفة ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك والآخر عن شمالك حتى إذا مت طويت صحيفتك فجعلت في عنقك في قبرك حتى تجيء يوم القيامة فتخرج لك
اقْرَأْ كِتابَكَ بتقدير يقال له ذلك، وهذه الجملة إما صفة أو حال أو مستأنفة، والظاهر أن جملة قوله تعالى:
كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً من جملة مقول القول المقدر، وكفى فعل ماض وبنفسك فاعله والباء سيف خطيب وجاء إسقاطها ورفع الاسم كما في قوله: كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا. وقوله:
ويخبرني عن غائب المرء هديه ... كفى الهدي عما غيب المرء مخبرا
ولم تلحق الفعل علامة التأنيث وإن كان مثله تلحقه كقوله تعالى: ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ [الأنبياء: 6] وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ [الأنعام: 4] قيل لأن الفاعل مؤنث مجازي ولا يشفي الغليل لأن فاعل ما ذكر من الأفعال مؤنث مجازي مجرور بحرف زائد أيضا وقد لحق فعله علامة التأنيث وغاية الأمر في مثل ذلك جواز الإلحاق وعدمه ولم يحفظ كما في البحر الإلحاق في كفى إذا كان الفاعل مؤنثا مجرورا بالباء الزائدة، ومن هنا قيل إن فاعل كفى ضمير يعود على الاكتفاء أي كفى هو أي الاكتفاء بنفسك، وقيل هو اسم فعل بمعنى اكتف والفاعل ضمير المخاطب والباء على القولين ليست بزائدة، ومرضى الجمهور ما قدمناه، والتزام التذكير عندهم على خلاف القياس.
ووجه بعضهم ذلك بكثرة جر الفاعل بالباء الزائدة حتى إن إسقاطها منه لا يوجد إلا في أمثلة معدودة فانحطت رتبته عن رتبة الفاعلين فلم يؤنث الفعل له، وهذا نحو ما قيل في مر بهند وقيل غير ذلك، والْيَوْمَ ظرف لكفى وحَسِيباً تمييز كقوله تعالى: وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً [النساء: 69] وقولهم: لله تعالى دره فارسا، وقيل: حال وعليك متعلق به قدم لرعاية الفواصل وعدي بعلى لأنه بمعنى الحاسب والعاد وهو يتعدى بعلى كما تقول عدد عليه قبائحه، وجاء فعيل الصفة من فعل يفعل بكسر العين في المضارع كالصريم بمعنى الصارم وضريب القداح بمعنى ضاربها إلا أنه قليل أو بمعنى الكافي فتجوز به عن معنى الشهيد لأنه يكفي المدعي ما أهمه فعدي بعلى كما يعدى الشهيد، وقيل هو بمعنى الكافي من غير تجوز لكنه عدي تعدية الشهيد للزوم معناه له كما في أسد عليّ، وهو تكلف بارد، وتذكيره وهو فعيل بمعنى فاعل وصف للنفس المؤنثة معنى لأن الحساب والشهادة مما يغلب في الرجال فأجرى ذلك على أغلب أحواله فكأنه قيل كفى بنفسك رجلا حسيبا أو لأن النفس مؤولة بالشخص كما يقال ثلاثة أنفس أو لأن فعيل المذكور محمول على فعيل بمعنى فاعل والظاهر أن المراد بالنفس الذات فكأنه قيل كفى بك حسيبا عليك.
وجعل بعضهم في ذلك تجريدا فقيل: إنه غلط فاحش، وتعقب بأن فيه بحثا فإن الشاهد يغاير المشهود عليه فإن اعتبر كون الشخص في تلك الحال كأنه شخص آخر كان تجريدا لكنه لا يتعلق به غرض هنا.
وعن مقاتل أن المراد بالنفس الجوارح فإنها تشهد على العبد إذا أنكر وهو خلاف الظاهر.

الصفحة 32