كتاب تفسير الألوسي = روح المعاني (اسم الجزء: 8)

كل هذه الأعضاء وأشير إليها بأولئك على القول بأنها مختصة بالعقلاء تنزيلا لها منزلتهم لما كانت مسؤولة عن أحوالها شاهدة على أصحابها.
وقال بعضهم: إنها غالبة في العقلاء وجاءت لغيرهم من حيث إنها اسم جمع لذا وهو يعم القبيلين ومن ذلك قول جرير على ما رواه غير واحد:
ذم المنازل بعد منزلة اللوى ... والعيش بعد أولئك الأيام

وعلى هذا لا حاجة إلى التنزيل وارتكاب الاستعارة فيما تقدم كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا كل الضمائر ضمائر «كل» أي كان كل من ذلك مسؤولا عن نفسه فيقال له: هل استعملك صاحبك فيما خلقت له أم لا؟ وذلك بعد جعله أهلا للخطاب والسؤال. وجوز أن يكون ضمير عَنْهُ لكل وما عداه للقافي فهناك التفات إذ الظاهر كنت عنه مسؤولا.
وقال الزمخشري: عَنْهُ نائب فاعل مَسْؤُلًا فهو مسند إليه ولا ضمير فيه نحو غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ [الفاتحة: 7] .
ورده أبو البقاء وغيره بأن القائم مقام الفاعل حكمه حكمه في أنه لا يجوز تقدمه على عامله كأصله. وذكر أنه حكى ابن النحاس الإجماع على عدم جواز تقديم القائم مقام الفاعل إذا كان جارا ومجرورا فليس ذلك نظير غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وليس لقائل أن يقول: إنه على رأي الكوفيين في تجويزهم تقديم الفاعل إلا أن ينازع في صحة الحكاية، ونقل عن صاحب التقريب أنه إنما جاز تقديم عَنْهُ مع أنه فاعل لمحا لأصالة ظرفيته لا لعروض فاعليته ولأن الفاعل لا يتقدم لالتباسه بالمبتدأ ولا التباس هاهنا ولأنه ليس بفاعل حقيقة اه. والإنصاف أنه مع هذا لا يقال لما ذهب إليه شيخ العربية إنه غلط.
وذكر في شرح نحو المفتاح أنه مرتفع بمضمر يفسره الظاهر، وجوز إخلاء المفسر عن الفاعل إذا لم يكن فعلا معللا بأصالة الفعل في رفع الفاعل فلا يجوز خلوه عنه بخلاف اسمي الفاعل والمفعول تشبيها بالجوامد.
وتعقبه في الكشف بأن فيه نظرا نقلا وقياسا أما الأول فلتفرده به، وأما الثاني فلأن الاحتياج إليه من حيث إنه إذا جرى على شيء لا بد من عائد إليه ليرتبط به ويكون هو الذات القائم هو بها إن كان فاعلا أو ملابسا لتلك الذات وليس كالجوامد في ارتباطها بالسوابق بنفس الحمل لأنها لا تدل على معنى متعلق بذات فالوجه أن يقال حذف الجار واستتر الضمير بعده في الصفة، وقد سمعت عن قرب أن هذا من باب الحذف والإيصال وأنه شائع، وجوز أن يكون مرفوع مَسْؤُلًا المصدر وهو السؤال وعَنْهُ في محل النصب. وسأل ابن جني أبا علي عن قولهم: فيك يرغب وقال لا يرتفع بما بعده فأين المرفوع؟ فقال: المصدر أي فيك يرغب الرغب بمعنى تفعل الرغبة كما في قولهم: يعطي يمنع أي يفعل الإعطاء والمنع، وجوز أن يكون اسم كان أو فاعله ضمير كُلُّ محذوف المضاف أي كان صاحبه عنه مسؤولا أو كان عنه مسؤولا صاحبه فيقال له لم استعملت السمع فيما لا يحل ولم صرفت البصر إلى كذا والفؤاد إلى كذا؟ وقرأ الجراح العقيلي «والفواد» بفتح الفاء وإبدال الهمزة واوا، وتوجيهها أنه أبدلت الهمزة واوا لوقوعها مع ضمة في المشهور ثم فتحت الفاء تخفيفا وهي لغة في ذلك، ولا عبرة بإنكار أبي حاتم لها، واستدل بالآية على أن العبد يؤاخذ بفعل القلب كالتصميم على المعصية والأدواء القلبية كالحقد والحسد والعجب وغير ذلك نعم صرحوا بأن الهم بالمعصية من غير تصميم لا يؤاخذ به للخبر الصحيح في ذلك. ثم إن اتباع الظن يكون كبيرة ويكون صغيرة حسب أنواعه وأصنافها ومنه ما هو أكبر الكبائر كما لا يخفى نسأل الله تعالى أن يعصمنا عن جميع ذلك.
وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً أي فخرا وكبرا قاله قتادة، وقال الراغب: المرح شدة الفرح والتوسع فيه والأول

الصفحة 72