كتاب تفسير الألوسي = روح المعاني (اسم الجزء: 8)

حرم الله تعالى إلا بالحق وإسراف الولي في القتل وقفو ما ليس بمعلوم والمشي في الأرض مرحا فالإضافة لامية من إضافة البعض إلى الكل عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً أي مبغضا وإن كان مرادا له تعالى بالإرادة التكوينية وإلا لما وقع كما يدل عليه قوله صلّى الله عليه وسلّم ما شاء الله تعالى كان وما لم يشأ لم يكن وغير ذلك، وليست هذه الإرادة مرادفة أو ملازمة للرضا ليلزم اجتماع الضدين الإرادة المذكورة والكراهة كما يزعمه المعتزلة، وهذا تتميم لتعليل الأمور المنهي عنها جميعا، ووصف ذلك بمطلق الكراهة مع أن أكثره من الكبائر للإيذان بأن مجرد الكراهة عنده تعالى كافية في وجوب الكف عن ذلك، وتوجيه الإشارة إلى الكل ثم تعيين البعض دون توجيهها إليه ابتداء لما قيل: من أن البعض المذكور ليس بمذكور جملة بل على وجه الاختلاط لنكتة اقتضته، وفيه إشعار بكون ما عداه مرضيا عنده سبحانه وإنما لم يصرح بذلك إيذانا بالغنى عنه، وقيل اهتماما بشأن التنفير عن النواهي لما قالوا من أن التخلية أولى من التحلية ودرء المفاسد أهم من جلب المصالح، وجوز أن تكون الإضافة بيانية وذلِكَ إما إشارة إلى جميع ما تقدم ويؤخذ من المأمورات أضدادها وهي منهي عنها كما في قوله تعالى: أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً [الأنعام: 151] بعد قوله سبحانه قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ [الأنعام: 151] وإما إشارة إلى ما نهى عنه صريحا فقط.
وقرأ الحجازيان والبصريان «سيئة» بفتح الهمزة وهاء التأنيث والنصب على أنه خبر كان، والإشارة إلى ما نهى عنه صريحا وضمنا أو صريحا فقط، ومَكْرُوهاً قيل بدل من سَيِّئُهُ والمطابقة بين البدل والمبدل منه غير معتبرة.
وضعف بأن بدل المشتق قليل، وقيل: صفة سَيِّئُهُ محمولة على المعنى فإنها بمعنى سيئا وقد قرىء به أو أن السيئة قد زال عنها معنى الوصفية وأجريت مجرى الجوامد فإنها بمعنى الذنب أو تجري الصفة على موصوف مذكر أي أمرا مكروها، وقيل: إنه خبر لكان أيضا ويجوز تعدد خبرها على الصحيح، وقيل: حال من المستكن في كانَ أو في الظرف بناء على جعله صفة سَيِّئُهُ لا متعلقا بمكروها فيستتر فيه ضميرها، والحال على هذا مؤكدة. وأنت تعلم أن ضمير السيئة المستتر مؤنث فجعل مكروها حالا منه كجعله صفة سَيِّئُهُ في الاحتياج إلى التأويل. وإضماره مذكرا في قوله: ولا أرض أبقل أبقالها لا يخفى ما فيه. وعن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أنه قرأ: «شأنه» ذلِكَ المتقدم في التكاليف المفصلة مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ أي بعض منه أو من جنسه مِنَ الْحِكْمَةِ التي هي علم الشرائع أو معرفة الحق سبحانه لذاته والخير للعمل به أو الأحكام المحكمة التي لا يتطرق إليها النسخ والفساد، وفي الكشاف عن ابن عباس هذه الثماني عشرة آية يعني من لا تَجْعَلْ فيما مر إلى مَلُوماً مَدْحُوراً بعد كانت في ألواح موسى عليه السلام وهي عشر آيات في التوراة، وفي الدر المنثور أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن التوراة كلها في خمس عشرة آية من بني إسرائيل ثم تلا وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وهذا أعظم مدحا للقرآن الكريم مما في الكشاف، ومِنَ إما متعلقة بأوحى على أنها تبعيضية أو ابتدائية وإما بمحذوف وقع حالا من الموصول أو عائده المحذوف أي من الذي أوحاه إليك ربك كائنا من الحكمة، وجوز أن يكون الجار والمجرور بدلا من ما وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ الخطاب نظير الخطاب السابق كرر للتنبيه على أن التوحيد مبدأ الأمر ومنتهاه وأنه رأس كل حكمة وملاكها، ورتب عليه أولا ما هو عائدة الشرك في الدنيا حيث قال فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولًا [الإسراء: 22] ورتب عليه هاهنا نتيجته في العقبى فقيل فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً من جهة نفسك ومن جهة غيرك مَدْحُوراً مبعدا من رحمة الله تعالى. وفي التفسير الكبير الفرق بين المذموم والملوم أن المذموم هو الذي يذكر أن الفعل الذي أقدم عليه قبيح ومنكر والملوم هو الذي يقال له لم فعلت هذا الفعل وما الذي حملك عليه وما استفدت منه إلا إلحاق الضرر بنفسك. ومن هذا يعلم أن الذم يكون أولا واللوم آخرا، والفرق بين المخذول

الصفحة 74