كتاب تفسير الألوسي = روح المعاني (اسم الجزء: 8)

رطب ويابس
، والشرائع والنبوات مشحونة بما هو من هذا القبيل ونحن زدنا مع الإيمان بالأخبار الكشف إلى آخر ما قال.
واستدل بعضهم في هذا المقام بما
روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال في دعائه للحمى: يا أم ملدم إن كنت آمنت بالله تعالى فلا تأكلي اللحم ولا تشربي الدم ولا تفوري من الفم وانتقلي إلى من يزعم أن مع الله تعالى آلهة أخرى فإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلّى الله عليه وسلّم
، وجاء عن السجاد رضي الله تعالى عنه في الصحيفة في مخاطبة القمر ما هو ظاهر في أن له شعورا واستفاض عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه كتب للنيل كتابا يخاطبه فيه بما يخاطبه وضرب الأرض بالدرة حين تزلزلت وقال لها: إني أعدل عليك، وكم وكم في الأخبار نحو ذلك قيل ولا داعي لتأويلها إذ لا أحد يقول: إن شعور الجمادات كشعور الحيوانات الظاهرة بحيث يدركه كل أحد حتى يكون العمل بظاهر اللفظ خلاف حس العقلاء فيجب ارتكاب التأويل والتجوز، ومن علم عظم قدرة الله عز وجل وأنه سبحانه لا يعجزه شيء وأن المخلوقين على اختلاف مراتبهم لا سيما المنغمسين في أو حال العلائق والعوائق الدنيوية والمسجونين في سجن الطبيعة الدنية لم يقفوا على عشر العشر مما أودع في عالم الإمكان ونقش بيد الحكمة على برود الأعيان سلم ما جاء به الصادق عليه الصلاة والسلام وإن خالف ما عنده نسب القصور إلى نفسه قرب فكر يظنه المرء حقا وهو من الأوهام كما لا يخفى على من أنصف ولم يتعسف.
وعلى هذا الذي ذكروه لا تحتاج إعادة ضمير ذوي العلم في تَسْبِيحَهُمْ على ما تقدم إلى توجيه وتفصي آخر عن الأول بأن قوله تعالى إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً متعلق بقوله سبحانه سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ ولا يخفى ما في التفصي، ولعل الأولى فيه أن يلتزم حمل التسبيح على ما هو الأعم من الحالي والقالي ويثبت كلا النوعين لكل شيء، والتذييل باعتبار القصور في فقه الآخر، ويشكل أيضا أن من أفراد من نسب إليه التسبيح الجحد فضلا عن الساكت فالحمل على المجاز واجب. وأجيب بأن استثناء أولئك معلوم بقرينة السباق واللحاق، وزعم من زعم أن الجاحد مقدس أيضا وأنشدوا للحلاج:
جحودي لك تقديس ... وعقلي فيك منهوس

فما آدم إلاك ... وما في الكون إبليس
وأنت تعلم أن مثل هذا الحلج والندف صار سببا لما لاقى من الحتف فماذا عسى أقول سوى حسبنا الله ونعم الوكيل. وقرىء لا يفقهون على صيغة المبني للمفعول من باب التفعيل وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ الناطق بالتسبيح والتنزيه ودعوتهم إلى العمل بما فيه جَعَلْنا بقدرتنا ومشيئتنا المبنية على الحكم الخفيفة.
بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وهم المشركون المتقدم ذكرهم، وأوثر الموصول على الضمير ذما لهم بما في حيز الصلة ويتم به مع ما سبق الإشارة إلى كفرهم بالمبدأ والمعاد.
وفي إرشاد العقل السليم إنما خص بالذكر كفرهم بالآخرة من بين سائر ما كفروا به من التوحيد ونحوه دلالة على أنها معظم ما أمروا بالإيمان به في القرآن وتمهيدا لما سينقل عنهم من إنكار البعث واستعجاله ونحو ذلك اه، وفي كون الآخرة معظم ما أمروا بالإيمان به في القرآن تردد وربما يدعى أن ذلك هو التوحيد فالأولى الاقتصار على أنه للتمهيد حِجاباً يحجبهم من أن يدركوك على ما أنت عليه من النبوة وجلالة القدر ولذلك اجترءوا على التفوه بالعظيمة وهي قولهم: «إن تتبعون إلا رجلا مسحورا» وأصل الحجاب كالحجب المنع من الوصول فهو مصدر وقد أريد به الوصف أي حاجبا مَسْتُوراً أي ذا ستر فهو للنسب كرجل مرطوب ومكان مهول وجارية مغنوجة ومنه وَعْدُهُ

الصفحة 83