كتاب تفسير الألوسي = روح المعاني (اسم الجزء: 8)

المخلوق ووحد لاستواء الواحد في المصدر وإن أريد منه اسم المفعول أي مخلوقين قُلْ جوابا لهم وتقريبا لما استبعدوه.
كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً رد سبحانه قوله كُونُوا على قولهم كنا فهو من باب المشاكلة والمقابلة بالجنس، ومعنى الأمر كما قيل الاستهانة كما في قول موسى عليه السلام أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ [يونس: 58، الشعراء: 43] وجعله صاحب الإيضاح أمر إهانة والفاضل الطيبي أمر تسخير كما في قوله تعالى: كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ [البقرة: 65، الأعراف: 166] لكنه قال: إنه على الفرض، وفي الكشف أنه غير ظاهر ولو جعل من باب كن فلانا على معنى أنت فلان من استعمال الطلب في معنى الخبر أي أنتم حجارة ولستم عظاما ومع ذلك تبعثون لا محالة. لكان وجها قويما، وبحث فيه الشهاب بأنه كيف يقال أنتم حجارة على أنه خبر وهو غير مطابق للواقع فلا بد من قصد الإهانة وعدم المبالاة وجعل الأمر مجازا عن الخبر والخبر خبر فرضي وليس فيه ما يدل على الفرض كان ولو الشرطيتين فهو مما لا يخفى بعده وليس بأقرب مما استبعده فالصواب أنه للإهانة كما جنح إليه صاحب الإيضاح فتدبر، والحجارة جمع حجر كأحجار وهو معروف وكذا الحديد وهو مفرد وجمعه حدائد وحديدات.
والظاهر أن المراد كونوا من هذين الجنسين أَوْ خَلْقاً أي مخلوقا آخر مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ أي مما يستبعد عندكم قبوله الحياة لكونه أبعد شيء منها وتعيينه مفوض إليكم فإن الله تعالى لا يعجزه إحياؤكم لتساوي الأجسام في قبول الأعراض فكيف إذا كنتم عظاما بالية وقد كانت موصوفة بالحياة قبل والشيء أقبل لما عهد فيه مما لم يعهد، وقال مجاهد: الذي يكبر السموات والأرض والجبال.
وأخرج ابن جرير وجماعة عن ابن عباس. وابن عمر والحسن، وابن جبير أنهم قالوا: ما يكبر في صدورهم الموت فإنه ليس شيء أكبر في نفس ابن آدم من الموت، والمعنى لو كنتم مجسمين من نفس الموت لأعادكم فضلا عن أصل لا يضاد الحياة إن لم يقتضها، وفيه مبالغة حسنة وإن كان اللفظ غير ظاهر فيه فَسَيَقُولُونَ لك: مَنْ يُعِيدُنا مع ما بيننا وبين الإعادة من مثل هذه المباعدة والمباينة قُلِ لهم تحقيقا للحق وإزاحة للاستبعاد وإرشادا إلى طريقة الاستدلال الَّذِي فَطَرَكُمْ أي القادر العظيم الذي اخترعكم أَوَّلَ مَرَّةٍ من غير مثال يحتذيه ولا أسلوب ينتحيه وكنتم ترابا ما شم رائحة الحياة أليس الذي يقدر على ذلك بقادر على أن يفيض الحياة على العظام البالية ويعيدها إلى حالها المعهودة بلى إنه سبحانه على كل شيء قدير، والموصول مبتدأ خبره يعيدكم المحذوف لدلالة السؤال عليه أو فاعل به أو خبر مبتدأ محذوف على اختلاف في الأولى كما فصل في محله.
وأَوَّلَ مَرَّةٍ ظرف فطركم فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ أي سيحر كونها نحوك استهزاء كما روي عن ابن عباس وأنشد عليه قول الشاعر:
أتنغض لي يوم الفخار وقد ترى ... خيولا عليها كالأسود ضواريا
ومثله قول الآخر:
أنغض نحوي رأسه وأقنعا ... كأنه يطلب شيئا أطمعا
وفي القاموس نغض كنصر وضرب نغضا ونغوضا ونغضانا ونغضا محركتين تحرك واضطرب كأنغض وحرك كأنغض، وفسر الفراء الإنغاض بتحريك الرأس بارتفاع وانخفاض، وقال أبو الهيثم: من أخبر بشيء فحرك رأسه إنكارا له فقد أنغض رأسه فكأنه سيحركون رؤوسهم إنكارا وَيَقُولُونَ استهزاء مَتى هُوَ أي ما ذكرته من الإعادة، وجوز أن يكون الضمير للعود أو البعث المفهوم من الكلام قُلِ لهم عَسى أَنْ يَكُونَ ذلك قَرِيباً فإن ما هو محقق

الصفحة 88