كتاب تفسير الألوسي = روح المعاني (اسم الجزء: 8)

إتيانه قريب، ولم يعين زمانه لأنه من المغيبات التي لا يطلع عليها غيره تعالى ولا يطلع عليها سبحانه أحدا، وقيل: قربه لأن ما بقي من زمان الدنيا أقل مما مضى منه وانتصاب قَرِيباً على أنه خبر كان الناقصة واسمها ضمير يعود على ما أشير إليه، وجوز أن يكون منصوبا على الظرفية والأصل زمانا قريبا فحذف الموصوف وأقيمت صفته مقامه فانتصب انتصابه وكان على هذا تامة وفاعلها ذلك الضمير أي عسى أن يقع ذلك في زمان قريب وأن يكون في تأويل مصدر منصوب وقع خبرا لعسى واسمها ضمير يعود على ما عاد عليه اسم يكون، وجوز أن يكون مرفوعا بعسى وهي تامة لا خبر لها أي عسى كونه قريبا أو في وقت قريب.
واعترض بأن عسى للمقاربة فكأنه قيل: قرب أن يكون قريبا ولا فائدة فيه، وأجيب بأن نجم الأئمة لم يثبت معنى المقاربة في عسى لا وضعا ولا استعمالا، ويدل له ذكر قَرِيباً بعدها في الآية فلا حاجة إلى القول بأنها جردت عنه فالمعنى يرجى ويتوقع كونه قريبا يَوْمَ يَدْعُوكُمْ منصوب بفعل مضمر أي اذكروا أو بدل من قَرِيباً على أنه ظرف أو متعلق بيكون تامة بالاتفاق وناقصة عند من يجوز أعمال الناقصة في الظروف أو بتبعثون محذوفا أو بضمير المصدر المستتر في يكون أو عسى العائد على العود مثلا بناء على مذهب الكوفيين المجوزين أعمال ضمير المصدر كما في قوله:
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم ... وما هو عنها بالحديث المرجم
وجعله بدلا من الضمير المستتر بدل اشتمال ولم يرفع لأنه إذا أضيف إلى مثل هذه الجملة قد يبنى على الفتح تكلف وادعاء ظهوره مكابرة، والدعاء قيل: مجاز عن البعث وكذا الاستجابة في قوله تعالى: فَتَسْتَجِيبُونَ مجاز عن الانبعاث أي يوم يبعثكم فتنبعثون فلا دعاء ولا استجابة وهو نظير قوله تعالى: كُنْ فَيَكُونُ [البقرة: 117 وغيرها] في أنه لا خطاب ولا مخاطب في المشهور، وتجوز بالدعاء والاستجابة عن ذلك للتنبيه على السرعة والسهولة لأن قوله: قم يا فلان أمر سريع لأبطء فيه ومجرد النداء ليس كمزاولة الإيجاد بالنسبة إلينا، وعلى أن المقصود الإحضار للحساب والجزاء فإن دعوة السيد لعبده إنما تكون لاستخدامه أو للتفحص عن أمره والأول منتف لأن الآخرة لا تكليف فيها فتعين الثاني، وقال الإمام وأبو حيان: يدعوكم بالنداء الذي يسمعكم وهو النفخة الأخيرة كما قال سبحانه يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ [ق: 41] الآية، ويقال إن إسرافيل عليه السلام
وفي رواية جبرائيل عليه السلام ينادي على صخرة بيت المقدس أيتها الأجسام البالية والعظام النخرة والأجزاء المتفرقة عودي كما كنت.
وأخرج أبو داود وابن حبان عن أبي الدرداء أنه قال: «قال صلّى الله عليه وسلّم إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فحسنوا أسماءكم»
لعل هذا عند الدعاء للحساب وهو بعد البعث من القبور، واقتصر كثير على التجوز السابق فقيل إن فيه إشارة إلى امتناع الحمل على الحقيقة لما يلزم من الحمل عليها خطاب الجماد وهو الأجزاء المتفرقة ولو لم تمتنع إرادة الحقيقة لكان ذلك كناية عن البعث والانبعاث لا مجازا والمجوز لإرادتها يقول إن الدعوة بالأمر التكويني وهو مما يوجه إلى المعدوم وقد قال جمع به في قول كن ولم يتجوزوا في ذلك وأما أنه لو لم تمتنع إرادة الحقيقة لكان كناية لا مجازا فأمر سهل كما لا يخفى فتدبر.
بِحَمْدِهِ حال من ضمير المخاطبين وهم الكفار كما هو الظاهر، والباء للملابسة أي فتستجيبون ملتبسين بحمده أي حامدين له تعالى على كمال قدرته، وقيل المراد معترفين بأن الحمد له على النعم لا تنكرون ذلك لأن المعارف هناك ضرورية.
وأخرج عبد بن حميد وغيره عن ابن جرير أنه قال: يخرجون من قبورهم وهم يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك

الصفحة 89