كتاب تفسير الألوسي = روح المعاني (اسم الجزء: 8)

ولا بعد في صدور ذلك من الكافر يوم القيامة وإن لم ينفعه وحمل الزمخشري ذلك على المجاز والمراد المبالغة في انقيادهم للبعث كقولك لمن تأمره بركوب ما يشق عليه فيتأبى ويمتنع ستركبه وأنت حامد شاكر يعني أنك تحمل عليه وتقسر قسرا حتى إنك تلين لين المسمح الراغب فيه الحامد عليه فكأنه قيل: منقادين لبعثه انقياد الحامدين له وتعلق الجار بيدعوكم ليس بشيء، وعن الطبري أن بِحَمْدِهِ معترض بين المتعاطفين اعتراضه بين اسم إن وخبرها في قوله:
فإني بحمد الله لا ثوب فاجر ... لبست ولا من غدرة أتقنع
ويكون الكلام على حد قولك لرجل وقد خصمته في مسألة أخطأت بحمد الله تعالى
فكان الرسول عليه الصلاة والسلام قال: عسى أن يكون البعث قريبا يوم تدعون فتقومون بخلاف ما تعتقدون اليوم وذلك بحمد الله سبحانه على صدق خبري
، وملخصه يكون ذلك على خلاف اعتقادكم والحمد لله تعالى، ولا يخفى أنه معنى متكلف لا يكاد يفهم من الكلام ونحن في غنى عن ارتكابه والحمد لله، وقيل: الخطاب للمؤمنين وانقطع خطاب الكافرين عند قوله تعالى: قَرِيباً فيستجيبون حامدين له سبحانه على إحسانه إليهم وتوفيقه إياهم للإيمان بالبعث،
وأخرج الترمذي والطبراني وغيرهما عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ولا في منشرهم وكأني بأهل لا إله إلا الله ينفضون التراب عن رؤوسهم ويقولون الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن»
وفي رواية عن أنس مرفوعا «ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة عند الموت ولا في القبور ولا في الحشر وكأني بأهل لا إله إلا الله قد خرجوا من قبورهم ينفضون رؤوسهم من التراب يقولون الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن»
وقيل: الخطاب للفريقين وكلهم يقولون ما روي عن ابن جبير.
وَتَظُنُّونَ الظاهر أنه عطف على (تستجيبون) وإليه ذهب الحوفي وغيره، وقال أبو البقاء: هو بتقدير مبتدأ والجملة في موضع الحال أي وأنتم تظنون إِنْ لَبِثْتُمْ أي ما لبثتم في القبور إِلَّا قَلِيلًا كالذي مر على قرية أو ما لبثتم في الدنيا كما روى غير واحد عن قتادة، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يستقلّون لبثهم بين النفختين فإنه يزال عنهم العذاب في ذلك البين ولذا يقولون مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا [يس: 52] وقيل يستقلون لبثهم في عرصة القيامة لما أن عاقبة أمرهم الدخول إلى النار، وهذا في غاية البعد كما لا يخفى، والظن يحتمل أن يكون على بابه ويحتمل أن يكون بمعنى اليقين وهو معلق عن العمل بأن النافية وقل من ذكرها من أدوات التعليق قاله أبو حيان وانتصاب قَلِيلًا على أنه نعت لزمان محذوف أي إلا زمانا قليلا، وجوز أن يكون نعتا لمصدر محذوف أي لبثا قليلا ودلالة الفعل على مصدره دلالة قوية وَقُلْ لِعِبادِي أي المؤمنين فالإضافة لتشريف المضاف يَقُولُوا عند محاورتهم مع المشركين الَّتِي أي الكلمة أو العبارة التي هِيَ أَحْسَنُ ولا يخاشنوهم كقوله تعالى: وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت: 46] ومقول فعل الأمر محذوف أي قل لهم قولوا التي هي أحسن يقولوا ذلك فجزم يقولوا لأنه جواب الأمر وإلى هذا ذهب الأخفش، ولكون المقول لهم هم المؤمنون المسارعون لامتثال أمر الله تعالى وأمر رسوله صلّى الله عليه وسلّم بمجرد ما يقال لهم لم يكن غبار في هذا الجزم.
وقال الزجاج: إن يقولوا هو المقول وجزمه بلام الأمر محذوفة أي قل لهم ليقولوا التي إلخ. وقال المازني: إنه المقول أيضا إلا أنه مضارع مبني لحلوله محل المبني وهو فعل الأمر، والمعنى قل لعبادي قولوا التي هي أحسن وهو كما ترى، ومقول يقولوا الَّتِي وإذا أريد به الكلمة حملت على معناها الشامل للكلام.
إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ أي يفسد ويهيج الشر بين المؤمنين والمشركين بالمخاشنة فلعل ذلك يؤدي إلى

الصفحة 90