الدراهم بالدراهم مع تأخير القبض، فهذه من باب أولى وأعظم، وهي واضحة جداً، لكن مع الأسف أن الناس الآن انكبوا عليها انكباباً عظيماً، ثم إن هؤلاء ينكرون إنكاراً عظيماً على الذين يتبايعون بالربا الصريح مثل البنوك، فالبنك يقول: خذ هذه الألف بألف ومائة صراحة، وهذا يقول: خذ هذه الألف بألف ومائة مع اللف والدوران، ومعلوم أن من يأتي الشيء صريحاً أهون ممن يأتيه مخادعة؛ لأن المخادعة يكون الإنسان قد وقع في مفسدة الربا مع مفسدة الخداع، ثم إن الذي يأتي الشيء بالخداع يأتيه وكأنه أمر حلال، يعني لا يكون عنده خشية لله ـ عزّ وجل ـ، أو يرى أنه مذنب فيخجل من الله، أو أنه مذنب فيحاول أن يستعتب؛ لكنه يرى أن هذا مباح، وأنه سيستمر عليه، لكن من أذنب ذنباً صريحاً فسيكون في قلبه شيء من خشية الله ـ عزّ وجل ـ، وخوف العقوبة والإنابة إلى الله ـ عزّ وجل ـ.
وقوله: «من اشترى مكيلاً ونحوه صح ولزم بالعقد ولم يصح تصرفه فيه حتى يقبضه».
ظاهر كلام المؤلف أن المكيل ونحوه لا يجوز التصرف فيه ولو بيع جزافاً، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ، وهو الذي دل عليه حديث عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ: «أنهم كانوا يتبايعون الطعام جزافاً فنهاهم النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يبيعوه حتى يحوّلوه» (¬1)، ولأن حكيم بن حزام ـ رضي الله عنه ـ قال:
¬__________
(¬1) سبق تخريجه ص (212).