كتاب الشرح الممتع على زاد المستقنع (اسم الجزء: 8)

يدخلوا المدينة إلا بأمان ليأخذوا التمر، فكيف نعطيهم الآن تمراً من المدينة (¬1)؟» فوافقهم النبي صلّى الله عليه وسلّم.
فقال بعض العلماء: إن عرض النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك يدل على الجواز، وقال بعض العلماء: إن موافقته للسعدين يدل على المنع، وأن هذا ذل للمسلمين أن يبذلوا مالاً لعدوهم، ولكن يقال: بذل المال أهون من القتل إذا كان العدو قويّاً، وليس لنا به طاقة إطلاقاً، فإن بذل شيء من أموالنا أهون من أن يسحقنا العدو نحن وأموالنا، فالمسألة كلها تعود إلى المصلحة ودفع الضرر، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
قوله: «ويجوز شرط رد رجل جاء منهم مسلماً للحاجة» أي: لو شرط هؤلاء الكفار أنه من جاء منهم مسلماً رددناه إليهم كان ذلك شرطاً جائزاً، لكن إذا دعت الحاجة إليه، ومن دعاء الحاجة إلى ذلك أن يتوقف الصلح على هذا الشرط، فإذا توقف الصلح على هذا الشرط، وقالوا: لا نصالحكم إلا بهذا الشرط، فإن لنا أن نشترطه.
فإن قال قائل: في هذا غضاضة علينا.
قلنا: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم فعل ذلك بأمر الله، فإن قريشاً اشترطوا عليه أن من جاء منهم مسلماً رده عليهم وفعل ذلك، وجعل الله لمن جاء مسلماً ورد إليهم فرجاً، حتى إنهم هم بأنفسهم أرسلوا
¬__________
(¬1) أخرجه البزار (1803) «كشف الأستار» ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه ـ وعزاه الهيثمي في «المجمع» (6/ 135) للطبراني وقال: «فيه محمد بن عمرو وحديثه حسن وبقية رجاله ثقات».

الصفحة 49